إن العالم يعيش الآن تحت وطأة أزمة مالية قاسية ومعقدة سيكون لها انعكاسات سلبية على مجمل اقتصادات دول العالم بما فيها الكويت، إذ من المتوقع أن يقل الطلب على النفط وتنخفض أسعاره، كما أنه من المتوقع أيضا أن يقل سعر صرف الدولار؛ مما سيؤثر في استثماراتنا الخارجية، وهو الأمر الذي يتطلب رسم وتنفيذ سياسات عامة رشيدة.

Ad

لا تزال الأزمة المالية العالمية التي تفجرت عام 2008 تلقي بظلالها على العالم أجمع، وقد ازدادت حدتها بعد مشكلة رفع سقف الدين الأميركي، وما ترتب عليها من تخفيض التصنيف الائتماني لأميركا من قبل وكالة "ستاندرد أند بوورز" للتصنيف الائتماني، ناهيكم عن المشاكل المعقدة التي تواجهها بعض دول الاتحاد الأوروبي (اليونان، إيرلندا، البرتغال، إيطاليا، إسبانيا) والتي قد يترتب عليها إعلان إفلاس بعضها، مما سينعكس سلبا على بقية دول الاتحاد، وبالتالي على دول العالم كافة.

هي إذن أزمة رأسمالية عالمية لن تفلت من تداعياتها أي دولة من الدول، خصوصا أن العالم يعيش منذ مدة ليست بالقصيرة في ظل عولمة رأس المال، لكن الأسئلة التي يجب أن تطرح هنا هي: ترى من من المفروض أن يتحمل أكثر نتائج وآثار وتداعيات الأزمة المالية العالمية؟ هل هو من تسبب بها أو من كان ضحية لها وليس له يد في نشوئها وتفاقمها؟ بمعنى آخر هل ستتحمل الفئات الشعبية الفقيرة والطبقة الوسطى وحدها تبعات السياسات غير الرشيدة التي اتخذتها حكومات دولها خلال العقدين الماضيين على أقل تقدير؟ أو أنه من الممكن اتخاذ سياسات عامة جديدة تحقق التوازن المطلوب وتعيد الأمور إلى نصابها الصحيح من خلال المحافظة على مستوى معيشة الفئات المتوسطة والدنيا من السكان وتحميل كبار أصحاب رؤوس الأموال الذين تسببوا في خلق هذه الأزمة المالية الجزء الأكبر لما ترتب عليها من مشاكل؟

ما اتضح حتى الآن خصوصا في أميركا وأوروبا هو أن كبار أصحاب رؤوس الأموال يعارضون وبشدة اتخاذ سياسات عامة رشيدة تقلل من احتكارهم للثروة، وتحملهم تبعات الأعمال الطائشة والسياسات غير الحكيمة التي اتخذوها، وأوصلت العالم إلى ما هو فيه الآن من أزمة مالية طاحنة، بل على العكس من ذلك فإنهم يعملون على تحميل الفئات الشعبية والطبقة الوسطى تبعات الأزمة المالية رغم أنها، أي الفئات الشعبية والطبقة الوسطى، لم تكن سببا في حدوثها.

لقد شاهدنا كيف تعامل الجمهوريون بكل عنجهية مع مشكلة رفع سقف الدين الأميركي خصوصا رفضهم رفع الضرائب على الدخول المرتفعة، وعلى الشركات النفطية التي جنت خلال العقدين الماضيين أرباحا خيالية، كما شاهدنا أيضا كيف أن "سياسة التقشف" التي تطبقها الحكومة البريطانية تستهدف بالأساس إلغاء الدعم أو تقليله عن الفئات المتوسطة والطبقة الفقيرة، وهو ما أثار موجة عارمة من الغضب الشعبي استغله بعض الفوضويين للقيام بأعمال شغب وتخريب عمت بعض المدن البريطانية الرئيسة.

وقبل ذلك رأينا المواجهات الدامية بين الحكومة اليونانية وبعض الفئات الشعبية والمتوسطة التي ترتبت على "سياسة التقشف" المنحازة التي انتهجتها اليونان الدولة المهددة بالإفلاس.

قصارى القول إن العالم يعيش الآن تحت وطأة أزمة مالية قاسية ومعقدة سيكون لها انعكاسات سلبية على مجمل اقتصادات دول العالم بما فيها الكويت، إذ من المتوقع أن يقل الطلب على النفط وتنخفض أسعاره، كما أنه من المتوقع أيضا أن يقل سعر صرف الدولار؛ مما سيؤثر في استثماراتنا الخارجية، وهو الأمر الذي يتطلب رسم وتنفيذ سياسات عامة رشيدة لا تحمل الفئات الفقيرة والمتوسطة وحدها تبعات الأزمة المالية العالمية.