منذ أكثر من شهر فجعنا بخبر الكشف عن الإيداعات المليونية التي لوثت سمعة السلطة التشريعية وقطاعاً كبيراً من أعضائها، ولكننا كنا متفائلين في ذات الوقت بحراك واسع وضاغط على الحكومة ومجلس الأمة، بسبب هذه الحادثة، سيدفعهما إلى إقرار حزمة قوانين النزاهة والذمة المالية، التي كنا نرتجيها منذ عقود، لأن تداخل المال والسياسة في الكويت قديم بقدم، تقريباً، الحياة البرلمانية فيها.
وكلنا يعلم عن دور المال في انتخابات رئاسة مجلس الأمة منذ سبعينيات القرن الماضي، وكذلك دور اللجان الخيرية المنضوية تحت التيارات الدينية السياسية وواجهاتها المتمثلة في جمعيات النفع العام في الانتخابات وتوجيهها منذ الثمانينيات، إضافة إلى سطوة الأسرة والقوى التجارية في العملية الانتخابية، وفشل كل محاولات تقنين الصرف الانتخابي ومراقبته.كل تلك الآمال في تحقيق تشريعات النزاهة والتحقيق في قضية الإيداعات المليونية، بما لا يتعارض مع دور القضاء بهذا الشأن، تبددت عندما انتقلت المعارضة إلى المقاطعة والاستجواب والشارع، وأصبح المطلب استقالة رئيس الحكومة الشيخ ناصر المحمد، دون أن يقولوا لنا ما البرنامج المطلوب تفعيله بعد ذلك وما مواصفات المرحلة المقبلة؟وأصبحت الأجندة ببند واحد هو رحيل المحمد، وشعارات مبعثرة عن حكومة منتخبة ورئيس وزراء شعبي ترفع في تجمعات "لا تنقضوا الميثاق"، ولكنها كلها مطالب تحتاج إلى عمل تشريعي، وتتطلب تعديلات دستورية وقانونية، فهل لديهم أغلبية لتحقيق ذلك، وتنسيق مع الكتل البرلمانية والقوى السياسية وقنوات حوار مع القيادة تضمن لهم إنجاز ذلك، أم أنهم يريدون تحقيقه من خلال ضغط الشارع؟... خاصة أن لكل أسلوب منهما ثمناً وطريقة قد لا يقبلها الكويتيون، فهل المعارضة واثقة بأن الناخبين قرروا خوض طريق الشارع والفوضى والخراب الذي سينتج عنه لتحقيق تلك الشعارات التي ترفع في تجمعاتهم؟***لم أكن أتصور أن حرب الساحات، التي كانت قائمة في لبنان منذ سنوات، والتي تتبارز فيها القوى السياسية المتناحرة في لبنان، ليثبت كل منها أنه يمتلك الأغلبية الشعبية، ستنتقل إلى بلدي، وتصبح ممارسة في الكويت فنجد المعارضة في ساحة الإرادة تتحدث عن 20 ألف متظاهر في يوم تجمعها في مساحة صغيرة لا تسع إلا بضعة آلاف، لترد عليها قوى أخرى معارضة لها في اليوم التالي بأنها جمعت عدداً أكبر منها في نفس المكان، مؤلم أن تتحول الكويت إلى "ساحة" لأنها دوماً كانت أرضاً للحوار والتعايش والأمان والحرية.***لطالما كانت المعارضة تحيي وتثمن مواقف النائب د. حسن جوهر، وتشيد بحكمته وصواب رؤيته وقراره... لذا أتمنى منها أن يقرأوا مقالته الثلاثاء الماضي بعنوان "خسارة... يا معارضة"، والرسالة التي تضمنتها، ويريد أن يوصلها إلى زملائه النواب... كما نسأل رموز المعارضة الذين يهددون الجهات الرسمية المعنية إذا نفذت القانون على بعض النواب الذين دخلوا مبنى مجلس الأمة ما أثر ذلك على هيبة القانون وسلطة الدولة، وأثر هذه التهديدات أيضاً على عقول الناشئة من مراهقين وشباب، وسلوكهم الذي نراه وننتقده في الشارع والأماكن العامة؟!
أخر كلام
حرب الساحات في بلدي
24-11-2011