"لا يجوز أن يكون الإخوان حزباً أو أن يكون لهم حزب"، هذا الكلام ليس لأي من الذين يعتبرون مناوئين لتيارات الإسلام السياسي، ومن بينهم رفعت السعيد رئيس حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي (اليساري)، وإنما لمرشح الرئاسة المصرية عبدالمنعم أبوالفتوح الذي كان من أبرز شباب الإخوان المسلمين، وأكثرهم حيوية ونشاطاً في ثمانينيات القرن الماضي، والذي بقي حتى فترة قريبة أحد رموز القيادة المتقدمة لهذه "الجماعة" التي حققت انتصارات تستحقها في آخر انتخابات لمجلس الشعب المصري، الذي هو أول مجلس ينتخب انتخاباً نزيهاً على مدى تاريخ مصر المعاصر، سواء في العهد الملكي أو العهد الجمهوري الذي بدأ بانقلاب عام 1952.
وعندما يصل حتى عبدالمنعم أبوالفتوح إلى مثل هذه القناعة فإنه يجب أن يتوقف الإخوان المسلمون في مصر أولاً ثم في الأردن وفي سورية وكل مكان ملياً أمام هذه المسألة، التي بقيت تشغل بعض أوساط المهتمين بالشأن السياسي العام، الذين تساورهم مخاوف كثيرة من تسخير العناوين الإسلامية للأغراض السياسية، والدمج بين الإسلام والسياسة، مما سيؤدي حتماً إلى التباس الأمور على الناس، ويجري تحميل هذا الدين الحنيف، الذي هو للجميع، أي أخطاء يقع فيها أي تنظيم حزبي يحمل اسمه.ولهذا فإنه كان من الأفضل أن تبقى "الجماعة" حركة دعوية بعيدة عن السياسة وألاعيبها وأخطائها وخطاياها، كما أنه كان من الأفضل لو أن حزب العدالة والحرية أنشئ على أساس استقلاله التام عن الإخوان المسلمين تنظيمياً ومالياً وسياسياً، حتى لا تحسب أخطاء هذا الحزب ومناوراته على هذه "الجماعة"، وحتى لا تكون هي المسؤولة أمام الناس عن إخفاقاته وانتصاراته.لقد اعتبر هذا الفوز، الذي حققه حزب العدالة والحرية المصري، فوزاً لـ"الإخوان المسلمين" هناك، وهذا صحيح ولا نقاش فيه، لكن المشكلة تكمن في أن عمر نشوة الانتصار، التي عاشتها "الجماعة" في مصر وفي كل الدول والأقطار التي لهذه الجماعة تواجد فيها، سيكون قصيراً، إذ إن ما يعانيه المصريون قد لا يقدر لا هذا الحزب ولا أي حزب آخر على حله بالسرعة المنتظرة، وهذا قد يؤدي إلى انحسار يراهن عليه البعض ليكون الفوز "الإخواني" في الانتخابات المقبلة متواضعاً، ولا يصل حتى إلى نصف ما حصلوا عليه هذه المرة.إن هذه الموجة "الإسلاموية" سيكون مصيرها كمصير الموجة القومية والموجة اليسارية، إن لم يستفد الإخوان المسلمون من أخطاء الآخرين، وإن أصيبوا بمرض الغرور الذي أصيب به البعثيون والقوميون العرب والحركة الناصرية ذات يوم، فجاءت النتائج كل تلك الكوارث المتلاحقة، وآخرها هذه الأوضاع المأساوية التي تعيشها سورية، والتي إن هي لم تحسم بسرعة لجهة انتصار هذه الثورة الواعدة فإن النهاية ستكون حرباً أهلية مدمرة، وتشظياً لبلد يحتل موقعاً أساسياً في معادلة المنطقة والمعادلة العربية.
مقالات
ما بين الأمس واليوم!
25-01-2012