أرسل القارئ عبدالله الرشيد استفسارا بخصوص مقالة طارد التوتر والقلق، التي نُشرت في تاريخ 30 من شهر مايو 2011، يسأل فيه عن الكيفية التي تمكن المرء من العيش في قوة الآن، أي في لحظته الراهنة هذه، وبكل ما تحمله هذه اللحظة من مصائب ومشاكل التغيرات الرهيبة التي لا يدري إلى أين سينتهي بها المصير.

Ad

ربما لم تأت المقالة بالوضوح الكامل لأنها كانت مقتطفات مختارة من كتاب "قوة الآن" وهي مختارات مقتطعة من فصول مختلفة من الكتاب، رأيت فيها معنى المضمون الذي يطرحه الكاتب، لذا جاءت مختصرة جدا بسبب ضيق المساحة المخصصة للمقال، لكنها حملت جوهر الكتاب من دون الخوض في التفاصيل التي تشرح كيفية الوصول إلى الاستنارة ولحظة الاستسلام والانعتاق والعيش في قوة الآن، بالرغم من كل ما يُحيط بنا في الوقت الحاضر من  كوارث وتوترات وصراعات انقلابية على صعيد كل المستويات المعيشة محليا وعربيا وعالميا. والمعنى من العيش في قوة الآن أي في الحضور الكامل في الآن، لا يقصد به العيش في مشاكل العصر، وليس أيضا في الهروب منها، لكن المقصود به هو أن تعيش في سلام واستسلام وانعتاق، بالرغم من كل ما يحدث من توترات وتغيرات رهيبة ينعكس أثرها السلبي على كل من يعيش فيها، فمقاومتها بالعنف تنعكس على حياة الفرد بعنف أكبر، فكأنك ترى صورتك في المرآة، إن ضربتها ضربتك، وإن ابتسمت لها ابتسمت لك، لأن طاقة العنف ترتد عليك بعنف أكبر، لأن عنفك شحن طاقة من أمامك فقام بإعادة تصديرها لك. العيش باستسلام هو أفضل الطرق لمقاومة العنف وهو لا يعني الضعف، كما لا يعني الهروب وعدم المواجهة، لكن الاستسلام هو سلام للنفس ولإراحتها من التوتر مع البحث عن سبل وحلول لمواجهة هذه الصعاب، مجرد العيش في لحظة الآن تتحرر من ألم الماضي، ولن تحتاج إلى الاعتماد على المستقبل لأن الحياة التي تعيشها الآن في كامل ذروتها.

ولتسهيل فهمها لنفرض أن هناك مركبا يغرق، الركاب الذين هم في حالة هلع وتذكر لماضيهم أو لمستقبلهم الضائع هم الهالكون، لكن لو وجد واحد منهم يعيش قوة لحظته في سكون وسلام وانعتاق من ربقة الخوف، سيصل إلى حالة استنارة سريعة تهديه إلى حلول لم يدركها غيره، وربما تقوده لمعرفة الخطأ أو إيجاد طريقة ما تنقذ الموقف كله، أو على الأقل ينقذ فيها نفسه، رباطة الجأش هذه جزء من الاستنارة التي هي العيش بكل الحواس في قوة الآن وهي قادرة على سحب كل الطاقة الإنسانية وضخها في اللحظة الراهنة وإنقاذها من بلاء عظيم.

أي ان لحظة معايشة هذه الأحداث مهمة وتستوجب الحضور الكامل الذي يعني في ذات الوقت الاستسلام والسلام والانعتاق من الاختناق بها خاصة في زمننا هذا الذي يطوقنا بالكوارث  وبالثورات وبدماء الشهداء وبهؤلاء الطغاة المتشبثين بعروشهم حتى يغرقوا بدماء شعوبهم  التي كشفت عن مساخر تراجيدية، عجز شكسبير عن تصور حدوثها في واقع.

ففي زمننا هذا، زمن الفساد والتآكل بكل أشكاله وبكل أنواعه، وبسقوط كل أقنعة النظم وأشكالها ومتابعيها ومواليها وكل الرموز التي كبر عليها وعينا الثقافي، وآمنا بها وصدقناها، كلها بدأت تتخلخل وتتحلل وتكشف عن سوسها وفسادها وصورها المزيفة للمثقفين الراقصين مع التيار على أشلاء الأحلام المهزومة والقيم الواهية والمثل التي بلا أساس.

بات الكذب والتخلف يطوقنا ويغرقنا بطوفانه، ويلهينا بسفاسف الأمور وبمعارك نواب حول المصالح الخاصة بهم توصلهم إلى صورة تخجلنا وتفضحنا أمام العالم المتحضر كله.

كل شيء حولنا مؤلم، من تراجع ثقافي، ومن مجتمع محاصر بالضمائر الفاسدة وبالأغذية الفاسدة في زمن منتهية صلاحيته.

في مثل هذا الوقت الذي لا يجدي فيه إلا التمسك بإيمانك بنفسك فلا يوجد أي شيء آخر تتمسك به أو تؤمن أو تحلم به أو تراهن عليه، ليس هناك منفذ أو طريق نجاة إلا التمسك بطوق قوة الآن ومعرفة كيفية الاستسلام والعيش بسلام في قوة الحاضر حتى وإن كان هذا الحاضر ليس إلا مجازر وفساد عقول وضمائر، وصعودا لنجوم شعارات هم في الأصل ليسوا إلا صورة مكررة عبر مئات السنين معلبة ومعادة في طبعات محدثة لمسيلمة الكذاب.