«ورود سامة لصقر» رواية قصيرة للكاتب أحمد زغلول الشيطي، الذي له ثلاث مجموعات قصصية قبل هذه الرواية التي هي روايته الأولى.

Ad

وأعترف بالرغم من أنها روايته الأولى بأنها جاءت باكتمال فني رائع، وحداثة ذات نكهة جديدة مختلفة عما سبقها من إنتاج روائي مصري.

وبالرغم من أن الرواية تعيد حكاية التفاوت الطبقي ما بين الحبيب والحبيبة أو العكس، وهو الأمر الذي تناولته السينما بكثرة وعلى الأخص السينما المصرية، وعلى سبيل المثال «أنا لا أكذب ولكني أتجمل»، وهو عن قصة للأديب إحسان عبدالقدوس، كما اني أيضاً قد تناولتها في روايتي «سلالم النهار»، كما كتبها الكثير من الكتاب والكاتبات وكل منهم كتبها بشكل مختلف.

أحمد زغلول الشيطي كتبها كمشاهد تشبه التحقيق البوليسي، فبطل الرواية صقر عبدالواحد يموت فجأة دون معرفة أسباب هذا الموت، وهنا تتوالى المشاهد بمنولوجات اعترافية يدلي بها كل واحد من الذين لهم علاقة به باعترافات تبين شكل هذه العلاقة وتكشف عن جوانب من شخصية صقر عبدالواحد.

وأول من يتحدث هو صديقه الحميم يحيى ثم أخته تحية عبدالواحد ثم حبيبته ناهد بدر، ومن هذه المنولوجات نصل إلى معرفة أدق تفاصيل حياة صقر عبدالواحد، وبيئته ووضعه وزمنه وحياة كل من حوله، إضافة إلى الكشف الكامل لحياة ذاك العصر الذي هو غالباً سبعينيات القرن الماضي في مصر.

اعترافات جاءت في صور قاتمة ثقيلة شديدة الوطء، تتداخل وتتقاطع فيها الحالات المعاشة مع أزمنتها في هذيان سريالي تختلط فيه الأصوات والأحداث والحوارات بشكل رائع، لدرجة أنها تبهت و»تنث» بقتامتها وجثامة حزنها على روح القارئ، وتبرك عليه بكل ثقلها وتأثيراتها التي تأسر الروح بشيء يصعب تفسيره، إلا أنه روعة الفن الخلاق الذي جاءت به هذه الكتابة.

هذه رواية للموت بجدارة، هذا الموت الذي لابد منه، والذي لقاؤه ليس إلا نعمة حين تكون الحياة مستحيلة وملعونة بفقرها ونتانة واقعها، وقرف معيشتها وانعدام أفق نهارها، وانسحاقها تحت سنابك حب مستحيل.

ويبقى هناك فقط موت مطارد لمولود الفقد الذي لن يشيخ أبداً.

«ورود سامة لصقر» رواية كُتبت بشغف حاد وبانفعالات هادرة فاضت ونضحت من بئر عميقة خُزنت فيها منذ زمن طويل، وأجمل الكتابات تلك التي تأتي من نبع الشغف، فهي تنهال وتصب بدفقات متتالية سريعة لا تكلف الكاتب سوى متابعة وملاحقة انصباب دفقاتها، فهي لم تُكتب في لحظتها هذه لأنها كانت مكتوبة من قبل زمنها بأزمان.

«ورود سامة لصقر» رواية مميزة في رسم الخط البياني للرواية المصرية، وكاتبها أحمد زغلول الشيطي سيكون علامة في الرواية المصرية إن لم ينقطع ويجف بئر الشغف، فهو الذي يمنح شهادة الإبداع المتميز، وهذا هو الخوف المترصد بهذه النوعية من الكتابات التي يوردها مصدر مجهول غامض، ربما يكون هو ما يسمى بالإلهام النقي الآتي من مجهول المبدع الغائر في جرح وألم خفي طال عذابه حتى جاء انبعاثه وحان وقت نزيفه على الورق في ولادة سهلة ولكنها ربما تكون الولادة الأولى والأخيرة ما لم ينبعث من تلك البئر الغامضة المزيد من قيح تلك الجروح الدفينة والخبيئة الملتفة والمتدارية في مجهولها الخفي البعيد عن إدراك الكاتب وقدرة وعيه على الإتيان بها، وإلا سيتحول إنتاجه إلى شبيه بأغلبية إنتاج الكتاب الذين يجيدون حرفة كتابة الرواية التي لن تكون في النهاية ذات إبداع شيطاني جاء في طفرة.

كنت أتمنى لو اني قد اطلعت على مجموعاته القصصية حتى أرى اختلافاته الإبداعية، ويا ليته يرسلها إلي لو قرأ مقالتي هذه.

وأخيراً هذه رواية للموت وللفقر، بصراحة لأول مرة أشعر فيها ببشاعة الفقر إلى هذه الدرجة، وبكابوسية الموت المخيم والمطارد لصقر بوروده السامة.

فتحية لبراعة المبدع أحمد زغلول الشيطي ولوروده السامة التي انغرست بي إلى الأبد.