البرنامج الانتخابي لأي مرشح، مهما كان جيدا وشاملا لكل شيء يمكن أن يثير حماس الناخبين ويداعب آمالهم وأحلامهم، سيظل في نهاية المطاف مجرد حبر على ورق، وكلمات رنانة، اكتسبت زخما أكبر لظروف السباق الانتخابي، والكل يعرف ألا قيمة لهذا كله ما لم ير النور فيتمثل إنجازاً على أرض الواقع عندما يصل المرشح إلى البرلمان فعلا، وقد سبق لنا في كل انتخابات مضت أن رأينا برامج انتخابية مصوغة بشكل ممتاز، واستمعنا إلى وعود انتخابية براقة ومذهلة، ولكن لم يكن لأغلبها أي فائدة تتجاوز التسويق الانتخابي للمرشح.
هذا الأمر لا يحصل لمجرد أن المرشح قد صار يتجه اليوم إلى تقديم برامج ووعود انتخابية مبالغ فيها بهدف حشد الأصوات فحسب، إنما لأنه وفي حال وصوله سيظل فردا واحدا، مهما كانت عنده من القدرات الفكرية والنفسية وحسن التنظيم، وهذا نادر جدا، فلن يستطيع أن يفعل شيئا حقيقيا كبيرا، لطبيعة الضعف البشري.طبيعة العمل البرلماني، وقد كررت هذا كثيرا في العديد من المقالات والندوات والجلسات النقاشية، تقوم على العمل الجماعي، والعمل الفردي لا مكان له لمواجهة ما تتطلبه أعباء الأمر، وإن كان هذا العمل الفردي قد استطاع أن يقدم شيئا في وقت من الأوقات، وخصوصا في بداية عمر الديمقراطية الكويتية، وهي الفترة التي كانت بسيطة وخالية من التعقيدات والمصاعب والتحديات التي نواجهها اليوم، فهو اليوم أعجز ما يكون عن التصدي لأي شيء يذكر.نحن بحاجة ماسة اليوم إلى ظهور عمل برلماني جماعي، بأي صيغة كانت في هذه المرحلة؛ عمل قادر على مواجهة تحديات المرحلة القادمة حقا، ولهذا فلابد من ظهور برنامج انتخابي مشترك بين المرشحين الإصلاحيين، ليكون نواة لهذا العمل الجماعي المأمول، فيلتزمون من خلاله أمام ناخبيهم بأنه سيكون أساس خطة عملهم ومنطلقها في البرلمان القادم. برنامج لا يشترط أن يحتوي على الكثير من المحاور ولا الغوص في التفصيلات، بقدر ما يشير إلى القضايا الأهم للمرحلة القادمة، ويضع القدم على عتبة واضحة للانطلاق نحو تحقيقها، وأولئك المرشحون الذين لا يدركون ولا يستشعرون حاجة الكويت لمثل هذا العمل الجماعي المنظم، الناظر إلى الأولويات بترتيب صحيح، ليسوا هم من رجال هذه المرحلة الخطيرة أبدا.مصطلح "المرشح المستقل"، هو اليوم مصطلح فارغ من الدلالة السياسية، ومجرد التباهي برفعه لادعاء عدم الانتساب الفكري أو التبعية لهذه الجماعة أو تلك لا قيمة له؛ لأنه لا يقدم لي في المقابل كناخب توضيحا حول كيف سيقوم هذا المرشح، في حال وصوله إلى البرلمان، بعمله النيابي وهو فرد واحد؟ميثاق الكويت، الذي هو وثيقة شبابية شعبية يمكن الوصول إليها عبر الإنترنت، لعله يكون انطلاقة جيدة كبرنامج انتخابي، يمكن بلورته أكثر، والطلب من المرشحين الإصلاحيين التوقيع عليه والالتزام بالسعي الجماعي المنظم لتنفيذ ما فيه من بنود، وبالأخص تلك البنود التي تستهدف تخليص الممارسة البرلمانية من الهيمنة الحكومية، والتي جعلت من الحكومة خصما وحكما في ذات الوقت، وأعطاها القدرة على التخلص من أدوات الرقابة البرلمانية بكل سهولة بل تصفية خصومها!كلي أمل أن أرى هذه الوثيقة وقد تحولت بالفعل إلى مثل هذا البرنامج، والتزم بها مرشحو التيار الإصلاحي، وخرجت من واقع كونها مجرد أمنية جميلة لا أكثر.
مقالات
لا فائدة للبرلمان دون عمل جماعي
17-01-2012