الحراك السياسي الشبابي الذي أخذ "إجازة" قبل أشهر، وسيعود من جديد منتصف الشهر الحالي، وصل إلى مرحلة التشويش في خطابه والتهشم في تكوينه والتسرع في أحكامه، والأخطر من كل ذلك وصوله إلى الاختطاف النيابي الذي "قرصن" نشاطه أو ربما كشف عن جوانب مخفية تتلخص في أننا لسنا أمام حراك سياسي، بل أمام "أدوات" شبابية يستعملها النواب لتغيير الصورة النمطية في تعاطيهم مع الأحداث والقضايا داخل مجلس الأمة وخارجه.
الحراك الشبابي الذي كنا ولا نزال نؤيد حقه في استعمال أدوات الاحتجاج السلمي، كرر في بعض جوانبه دكتاتورية الأكثرية وعدم تقبل الرأي الآخر، ومال إلى خطاب التخوين والعزل والإقصاء ليس فقط لنواب كتلة "إلا الرئيس"، ولكن لكل من لا يسير فوق الخطوط التي رسموها لأنفسهم.وليس في هذا الحديث مبالغة أو تهويل فمن حركة شبابية واحدة تتفرع أو تتفتت حركات شبابية جديدة تحمل نفس الشعارات، وتستهدف نفس الأيام للتحرك، ولكنها مختلفة القلوب وتتقاتل على جذب النواب والشخصيات العامة، وتتبارى في تبهير الخطابات الساخنة، والسير نحو أكثر المطالب تطرفا وضيقا.ما دفعني إلى قول ذلك هو الأخطاء المتكررة التي وقع الحراك الشبابي فيها، وهي تتلخص في عدة نقاط أساسية، كاستعمال بعض الألفاظ غير المسؤولة في المهرجانات الخطابية، الأمر الذي سهل من مهمة الإعلام المصطنع في ضرب وتشويه تلك الأنشطة، وإقحام النبرة القبلية في الخطابات العلنية بدلا من التركيز على الخطاب الوطني الشامل للجميع، وتدافع القوى الشبابية وتزاحمها أمام وسائل الإعلام بالقرب من مجلس الأمة، وهو ما جعل الأمر واضحا ومكشوفا لمجاميع منقسمة بين ساحة إرادة وساحة بلدية يريدون جذب أكبر كمية من الكاميرات صوبهم، ودخول بعض القوى الشبابية ضمن تكتلات نيابية وجهات سياسية لديها أجندة عمل واسعة أدخلت الحراك الشبابي في مسارات بعيدة عن المسار الأساسي لتحقيق المطالب المحددة سالفا، وهو نهج جديد وحكومة جديدة ورئاسة جديدة.المستغرب في أمر الحراك السياسي هو حالة التنقلات في المواقع التي يمارسها بعض أعضائها بدون أسباب معلنة أو تفسير واضح، فمن كان في هذه الجماعة انتقل إلى الجماعة الثانية، ومن كان أكثر الأطراف تطرفا في مطالبه نجده تحول إلى الهدوء والوداعة، وربما تأييد الحكومة والعكس صحيح، وهناك أطراف تعتزل فجأة وتكتفي بالمشاهدة عن بعد، وفجأة تظهر خلافات إلى العلن بين من كانوا فريقا، وكل واحد فيهم يتهم الآخر بالعمل مع هذا القطب أو تلك الجهة.مثل هذه الأمور وغيرها هزت صورة الحراك الشبابي قبل فترة الإجازة وخلالها، وشخصيا لا أعرف صورة التجمع القادم كيف ستكون: هل ستكون بقيادة الشباب؟ وهل ستتكرر نفس الأخطاء خاصة الخطاب الخشن الذي لا نعرف لماذا الإصرار عليه رغم ثراء اللغة العربية؟ وهل سيتم التنسيق بين القوى الشبابية لتوحيد أماكن تحركاتها على الأقل؟في الختام أتمنى ممن يمثلون الحراك الشبابي الحقيقي، الشباب الذين يحملون نفسا وطنيا ويريدون خدمة الكويت والمصلحة العامة، أن يتذكروا مخاطر الانزلاق في طريق إصدار الأحكام المتعجلة، وعدم حشد الناس بالتهديد بعدم الوطنية كل مرة، لأن الناس لا تتجمع سوى في القضايا العامة الشاملة، والخطاب الإقصائي يبعدها خشية أن يطولها "طشارها" ولسان حالهم "هذولي ناس ما يطمنون".
مقالات
الأغلبية الصامتة: الشباب وحراكهم النيابي
15-09-2011