لا تخلو دائرة رسمية ولا شارع ولا حتى "دربونة" (يعني زقاق أو حارة أو سكة صغيرة في العراق) دون وجود مكان حتى وإن كان صغيراً لشرب الشاي (الجاي) بالجيم الثقيلة، وذلك من خلال انتشار الباعة على الأرصفة وفي الأسواق ومرائب حافلات السفر بين المحافظات والمدن العراقية بمحال صغيرة لبيع الشاي، كما يكثر الباعة المتجولون في الأماكن المزدحمة بالناس، مثل الساحات والأسواق الكبيرة، وعند المزارات، كما اعتاد العراقيون شرب الشاي بعد أي وجبة طعام مهما كانت بسيطة، وهي عادة تعلموها من الاحتلال البريطاني 1914، حيث كان ينفرد ببيعه آنذاك أحد العطارين في محلة "الحيدرخانة" المطلة على شارع الرشيد.
ويقال إن أول مَن شرب الشاي في العراق هو الوالي العثماني مدحت باشا عام 1870، حيث كانت القهوة هي المنتشرة آنذاك، ولهذا سميت المقاهي "كهاوي" وعندما انتشر الشاي وحلَّ محل القهوة أصبح المقهى يسمى "جاي خانة".ولا تحلو جلسات السمر في عموم العراق إلا بالشاي "السنقين" الثقيل الذي يشبه لونه الكحل، وغالباً ما تتجمع الأسر العراقية حول صينية الشاي أو "السماور" حيث تدور استكانات الشاي وكيتلي الماء الحار، أي "البراد" أو دورق وقوري الشاي، أي إبريق الشاي، وقارورة السكر، أو كما تسمى في العراق "شكردان". وكلمة "استكان" أصلها إنكليزي، حيث كان الجنود البريطانيون الموجودون في الهند أيام الاستعمار البريطاني لشبه القارة الهندية عندما يعودون بإجازاتهم إلى بريطانيا يأخذون معهم "بيالة" الشاي الهندية كما يسميها الهنود، أي قدح الشاي، ولأن الإنكليز كانوا يتناولون الشاي بـ"الكوب" وهو فنجان زجاجي كبير يوضع في طبق، فقد أطلق هؤلاء على القدح اسم "استكان" تمييزاً له عن الكوب الإنكليزي. وهي تسمية من ثلاثة مقاطع تشرح أصل الإناء أو القدح: East شرق - Tea شاي -Can إناء ( East-tea-can) أي قدح الشاي الشرقي، وهكذا جاء الجنود الإنكليز بهذه اللفظة معهم إلى العراق، ولأن كل ما يتعلق بالشاي كان من الأمور الجديدة الدخيلة على حياتنا الاجتماعية، فقد أخذ العراقيون لفظة "استكان" مدغمة متصلة للسهولة والدلالة، ومازال العراقيون لا يتذوقون شرب الشاي إلا بـ"الاستكان"، وانتشرت "الاستكانة أم نكيطة أي نقطة زرقاء" عند العراقيين، ولا تزال موجودة لدى الكثير من البيوت العراقية، رغم ظهور أشكال متنوعة ومختلفة.يذكر أن هناك طرقاً عدة لإعداد الشاي وغلي الماء الخاص به، أفضلها دائماً إعداد الشاي على نار الفحم بدلاً من الكاز أو الغاز أو الكهرباء، وتسمى عملية إعداد الشاي "تخدير الشاي" أي غليه وطبخه حتى ينضج وتفوح رائحته، ومن هنا جاءت أغنية "خدري الجاي خدري" وشاي الفحم يدل على الأصالة والذوق وهو مفضل مثل خبز التنور، ولا يستساغ هناك تناول الشاي المعلب بعبوات صغيرة "شاي أبوالخيط" بينما يفضل شاي سيلان الخشن ذو الرائحة الزكية. ويمكن إضافة عدة مواد عطرية للشاي منها الهيل أو النعناع.ومن أهم تقاليد أهل الريف العراقي، عدم وضع الملعقة "الخاشوكة" وهي كلمة أصلها تركي- فارسي في استكان الشاي، بل يجب وضعها في صحن الشاي الذي به الاستكان عند التقديم، لأن وضعها في الاستكان، يثير تفسيرات ربما تشعل صراعاً من الصعب إنهاؤه.
أخر كلام
العراقيون اختلفوا في كل شيء... إلا الچاي السنكَين!
22-01-2012