انتهى العرس الديمقراطي الكويتي، وأسدل ستاره، وانفض السمّار، شهر من الأحداث الساخنة والحملات الانتخابية الصاخبة تنافس فيه 268 مرشحاً– بينهم 23 امرأة– للوصول إلى الكرسي الأخضر.

Ad

قال الشعب الكويتي كلمته، واختار ممثليه في "أمة 2012"، وانجلى غبار المعترك الانتخابي عن مجلس ذكوري خالص لا مكان فيه لامرأة، مجلس شديد الخشونة أشبه بمجلس للمحاربين الفرسان، غاب عنه العنصر الناعم كما كان في المجلس السابق في 4 زهرات كن يلطفن الجو المشحون، ويخففن التوتر بين الحكومة والمعارضة ويرتقين بلغة الحوار.

هذه النتيجة الصادمة للذين توقعوا فوز المرأة، إن لم يكن بنفس المقاعد السابقة، فعلى الأقل بـ3 مقاعد بسبب تصاعد الأجواء المشحونة والمتحاملة على المرأة، دفعت للتساؤل: ما أسباب هذه الانتكاسة؟ ولماذا لم تفز من المرشحات الـ23 واحدة؟! ولماذا خذلت المرأة بنات جنسها على الرغم من أن نسبة الناخبات تزيد على الناخبين بـ30 ألف صوت؟

اختلفت إجابات الكتّاب والمحللين، هناك من انتقد أداء النائبات السابقات مثل الكاتبة خولة العتيقي التي أرجعت الفشل إلى ضعف أداء البرلمانيات السابقات، متمثلاً بفقدان المصداقية، وفي الوقوف مع الحكومة السابقة بالحق والباطل، وإيثار المكاسب الشخصية بدلاً من حل مشاكل المرأة.

وهناك المعارضون لعمل المرأة السياسي، وهم لم يخفوا فرحتهم بسقوطها، بل سارعوا إلى تهنئتها بسقوطها وعودتها إلى حظيرتها الشرعية والفطرية لأن هذه الساحة لا يصلح لها إلا الرجال! وأشاد آخرون بنساء الكويت لأنهن أسقطن المرأة بسبب الأداء "الخوارة" للنائبات المحترمات! وأبدى كاتب آخر سعادته بعدم فوز المرأة، لأن ممثلي الأمة "رجال"، والمجلس خشن جداً ورجولي للغاية وفولاذي!

ولكن هل كان في أداء المرأة في المجلس السابق ما يستحق المؤاخذة حقاً؟ تشير كل مؤشرات الأداء في التحليل الإحصائي لاستخدام النواب للأدوات التشريعية والرقابية في المجلس السابق والتي نشرتها جريدة "الجريدة"، إلى احتلال النائبات الأربع مراكز جيدة في الأداء والإنجاز والالتزام بالحضور والمحافظة على آداب الحوار، ولذلك فإن هذه الاتهامات الظالمة شديدة التهافت، منطلقها مواقف سياسية متحيزة مسبقاً لأغراض انتخابية.

هل يريد هؤلاء الذين ينتقدون أداء المرأة أن تكون في صف المعارضة على طول الخط، تناطح الحكومة حقاً وباطلاً وتفتعل الأزمات، وتحول المجلس إلى حلبة للمصارعة الحرة بهدف المحافظة على شعبيتها، وضمان الكرسي الانتخابي طبقاً لمقولة: عارض تكسب؟! وإلا فهي موالية وتابعة للحكومة ومؤيدة للفساد والمفسدين كما أشارت إليه الكاتبة فريدة العبيدلي في تعليق لأحد المحللين الذي عزا عدم فوز المرأة إلى أنها كانت تقف في صف الفساد الحكومي والتشريعي!

لقد تعرضت المرأة الكويتية لحملة ظالمة وشرسة، ولم تجد سنداً داعماً لا من الإعلام، ولا من نشطاء المجتمع المدني، ولا من الشباب، ولا من المثقفين، ولا من الحكومة، ولا من الطائفة، ولا من القبيلة.

يفسر الخبير بقضايا حقوق الإنسان والمجتمع المدني وخفايا الحملات الانتخابية د. غانم النجار هذه القضية، فيقول: نحن مقبلون على انتخابات تتعرض فيها المرأة المرشحة لحملة شعواء، ومنذ فوزها في الانتخابات السابقة ظل أعداء مشاركتها يتحينون الفرص لإثبات فشلها؛ متناسين عن قصد بأن فشل العملية السياسية مسؤولية الرجل بالدرجة الأولى، إذ لم تشكل المرأة أكثر من 8% من المجلس وتجربتها مازالت الأولى، فكيف يريدوننا أن نقبل منطقهم؟!

أما من حيث التقويم المنهجي لأداء المرأة في البرلمان فقد دلت الدراسات على أن أداء المؤشرات البرلمانية كالمشاركة في اللجان والتصويت والحضور تبدو فيه النساء البرلمانيات قد تفوقن بمراحل على أقرانهن من النواب، إذا لم يكن في أداء المرأة أي قصور فما أسباب الفشل؟

الكاتب الكويتي خليل حيدر يتأسف لخسارة المرأة، وبخاصة في العيد الخمسيني للدستور، وهو إذ يشيد بالكفاءات النسائية ويثمن عطاء البرلمانيات الكويتيات فإنه يرجع أسباب الخسارة إلى عدم تطور الوعي السياسي والاجتماعي بوتيرة ثابتة، ويرى في وصول 4 نساء في الانتخابات السابقة مجرد مصادفة، بدليل أن الشعب الكويتي اليوم انتخب مجلساً ذكورياً بحتاً لا يصل إليه إلا بعض المحاربين ورموز الحركات والطوائف والقبائل.

أما د. شملان العيسى فيفسر خسارة المرأة لمقعدها البرلماني بـ3 عوامل: زحف التيار الديني، تخاذل المرأة عن مساعدة أختها، فشل الحكومة في خلق مواطن موال لوطنه بدلاً من قبيلته أو طائفته، وبدوره يشيد

د. محمد الرميحي بالكفاءات الرجالة والنسائية التي نزلت إلى الساحة، ولكنه يشير إلى جملة معوقات تحول دون الوصول إلى البرلمان مثل: ألاعيب الساسة المخضرمين، قلة التمويل، صدق المقصد، الأسلحة الخفية.

أما د. ابتهال الخطيب فتعبر عن حزنها، وترى في اختفاء المرأة عن البرلمان اختفاء للاعتدال، وتتساءل بحسرة: كيف يسقط مرشح مثل د. حسن جوهر بكل تاريخه الناصع ومواقفه المشرفة؟! أما الكاتبة دينا العيسى فترجع الإخفاق إلى ضعف أسلوب التكتيك لدى المرشحات وعدم وجود خطط لمواجهة اللحظات الأخيرة، فقد استجدت ظروف مفاجئة "حرق خيام وتطويق جريدة الوطن" أضرت ببورصة المرشحات، واستفاد منها الرجال وظلت المرأة متفرجة "لأنها بدون سابق خبرة ولأن ملفها نظيف ونواياها ساذجة والسياسة مقايضات وتبادل أصوات وترتيبات ليس للمرأة فيها باع".

وتشير أستاذة العلوم السياسية د. مريم الكندري إلى أن أداء البرلمانيات كان تحت المجهر، وكانت تواجهها أمور كعدم حضور نواب في لجنة ترأسها المرأة حتى لا يحسب لها خروج مشاريع من تحت يدها، أما د. ندى سليمان المطوع فترى أن تجربة النائبات كانت ناجحة لكنها لم تتفق و"المزاج العام" للناخبين في هذا العام، فضلاً عن غياب حملة التسويق لهن.

وإذا ما تجاوزنا الساحة الكويتية نجد د. شاكر النابلسي يربط سقوط المرأة بعاملين: صعود التيار الديني في المنطقة عامة، وعدم تطور المجتمع الخليجي وتغيير نظرته للمرأة، بسبب العشائرية والبنية الدينية التقليدية، أما الكاتبة أمل عبدالعزيز الهزاني فتقول: لا أعرف عرساً بلا نساء، الكويت خالفت الطبيعة، فانتهى عرسها الديمقراطي بلا مقعد واحد للمرأة. وهي محقة في أن هذه النتيجة لا علاقة لها بالأداء، بل بوجود أكثر من حائط صد في وجه المرأة: النظام القبلي عبر الانتخابات الفرعية التي تغيب عنها النساء، ثم النساء اللاتي لا يثقن بالنساء، ثم الثقافة المجتمعية، وأيضاً لأن هذا العام عام الإسلاميين وهم أبعد الناس عن الترحيب بالمرأة في البرلمان.

الآن ما الحلول المقترحة لمعالجة هذا العور الديمقراطي؟ تقترح الكاتبة أمل ضرورة تنظيم وضع المرأة، وبخاصة في الخليج بسن قوانين تضمن حق المرأة في المشاركة مهما كانت الذائقة العامة أو الثقافة المجتمعية، وهي تشجع المرأة الكويتية على مطالبة الحكومة بنصيب مقدر لها في مجلس الأمة تتنافس عليه نساء الكويت، هذا يضمن اندفاعاً شعبياً تجاه انتخابها.

ويقترح الكاتب مظفر عبدالله دعم المرأة سياسياً عبر إرساء سياسة رسمية لتوطين المرأة في المناصب التنفيذية العليا كعامل حاسم يقصي تأثير المزاج الذكوري في العمل السياسي، بينما يقترح النائب صالح عاشور: إذا كانت المرأة خذلت "برلمانياً" ألا تخذلها الحكومة "وزارياً".

ويتوقع د. الرميحي أن يوازن رئيس الوزراء بتعيين أكثر من سيدة في الوزارة لتلافي النقص في المكون الأكبر في المجتمع الكويتي "النساء".

* كاتب قطري