أخطاء ارتكبها عمر البشير!
كان أمس الأول يوماً تاريخياً حيث تم إعلان دولة جديدة حملت الرقم 193 في الأمم المتحدة في احتفال دولي مهيب كان أول حاضريه الرئيس السوداني عمر البشير، الذي قاد حرباً ضروساً استمرت عقدين ضد انفصال الجنوب عن الدولة الأم، والذي قال في خطاب له في هذا الحفل: «إن نجاح الدولة الوليدة هو نجاح لبلاده»، وهنا فإنه تجب الإشادة بهذا الموقف وباعتراف السودان كأول دولة بهذه الدولة الجديدة.أمس الأول كان لحظة تفجر عواطف الجنوبيين, الذين انتظروا هذه اللحظة سنوات طويلة, عندما رفع أول رئيس لدولتهم الوليدة, الذي هو سلفاكير ميارديت خليفة جون قرنق وابن قبيلة الدينكا، التي هي أكبر قبيلة في السودان كله وليس في الجنوب فقط, دستور بلادهم، وعندما أنزل علم دولة السودان الموحدة، وأعلن الاحتفاظ به كرمز للتاريخ المشترك والعلاقة القوية بين الشمال والجنوب.
والآن بعد أن وَلَدت دولة السودان, التي ابتليت بسلسلة من الانقلابات العسكرية التي حرفتها عن خط سيرها الديمقراطي الذي سارت عليه في البدايات، والذي لو أنها بقيت تسير عليه لما واجهت ما واجهته، ولما دخلت دوامة حرب ظالمة مع الجنوبيين خلفت دماراً هائلاً ومرارات ستبقى في حلوق أجيال عديدة من أبناء وأحفاد هؤلاء... الآن بعد أن ولدت دولة السودان هذه الدولة الجديدة فإن الخوف كل الخوف أن تنتقل العدوى إلى أقاليم أخرى من بينها إقليم دارفور وإقليم كردفان، خاصة أن الجنرال عمر البشير, كما يبدو, مصرٌ على التمسك بالسلطة والحكم بأي ثمن، ولم يأخذ درساً مما جرى مع زين العابدين بن علي وحسني مبارك وما يجري مع معمر القذافي وعلي عبدالله صالح. ما جاء في خطاب عمر البشير في حفل إعلان هذه الدولة الجديدة كان جميلاً ومسؤولاً ويشكر عليه، لكن ما قام به من إجراءات على الأرض ضد الجنوبيين المقيمين في الشمال يدل على نزق غير مبرر وعلى رد فعل ثأري جاهلي ما كان لازماً ولا ضرورياً، فحظر ست صحف لأن أصحابها جنوبيون هو إجراء خاطئ ولا يمكن تبريره، وطرد أبناء الجنوب من وظائفهم في الدولة الشمالية وسحب جنسياتهم على الفور يدل على ضيق أفق، حتى وإن كان هذا تنفيذاً لما جاء في بعض بنود اتفاقية نيفاشا الشهيرة.لقد دعا الناطق باسم الحزب الاتحادي الديمقراطي السوداني حاتم السر «إلى طي صفحة الماضي ونبذ التشنج وإزالة أسباب عدم الثقة وإذكاء روح التعاون وتمتين حبل الود»، ولذلك فإنه ما كان ضرورياً أن تكون هناك كل هذه الإجراءات التطهيرية المتسرعة، وما كان ضرورياً إشعار أبناء الجنوب, الذين يعيشون في الشمال على أنه بلدهم ووطنهم, بأنهم أصبحوا غرباء في بلدهم بين عشية وضحاها، فالتسامح يؤدي إلى التسامح أما المرارة فتؤدي إلى مرارة أكثر، وهذا يجب تجنبه مادامت هناك صفحة جديدة قد فُتِحت ومادام الانفصال يجب ألا يقطع الأواصر وصلات القربى بين الناس الذين عاشوا عقوداً طويلة على أنهم شعب واحد، وأن كل أرض السودان بشماله وجنوبه أرضهم.لقد كانت معالجة مشكلة الجنوب منذ البداية خاطئة، وتدل على قصر نظر، مما جعل أبواب هذه الأزمة مشرعة أمام كل التدخلات الإقليمية والدولية, حتى بما في ذلك تدخل معمر القذافي الذي نكاية بجعفر النميري أنعش نيران المشكلة الجنوبية، بعد أن بدأت تخمد بتقديم أموال وأسلحة للقائد السابق للحركة الانفصالية جون قرنق, وهذا يجب أن يكون درساً للرئيس عمر البشير الذي كان عليه أن يعلن من جوبا أمس الأول تنحيه عن موقع الرئاسة وتحديد فترة انتقالية يتم خلالها عقد مؤتمر وطني عام يتفق حاضروه على إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية جديدة لإنقاذ البلاد من خطر التشظي الذي غدا وارداً ومطروحاً من خلال ما يجري في دارفور، وما يجري في كردفان، وأيضاً ما يجري في النوبة.