أمس الأول تلقيت اتصالاً هاتفياً من شخص من حمص, لا أعرف كيف حصل على رقم هاتفي, هو لم يذكر اسمه وأنا لم أطلب منه ذلك، وكان حديثه إليَّ استنجادياً كصراخ غريق يمد أطراف أصابع يده ليتشبث حتى بزبد أمواج البحر المنهمك في مصارعتها، مع أن قواه وهنت وأصبح في الرمق الأخير.

Ad

شكا هذا المستنجد بي من التجييش الطائفي ضد سنة حمص الذين قال إنهم لا يملكون أي إمكانية للدفاع عن أنفسهم، وقال إنه لا توجد بالأساس أي مشكلة مع الطائفة العلوية، وإن أعداداً من رموز هذه الطائفة لهم دور رئيسي في الانتفاضة السورية، ويشاركون فيها منذ البداية، وأشار إلى أن المشكلة تكمن في أن النظام يدفع أبناء هذه الطائفة إلى الاعتداء على إخوتهم من أبناء الطائفة السنية وتكسير محلاتهم التجارية.

وضرب مثلاً بأن شاباً من عائلة السمان عمره ثمانية وثلاثون عاماً، لا علاقة له بالأنشطة السياسية ولم يشارك في أي مظاهرة أو تجمع أو أي عمل احتجاجي، قد تم اختطافه خلال مروره بقرية "الصويري", وأرجو أن يكون اسم هذه القرية صحيحاً, حيث وُجد بعد ذلك مقتولاً بست عشرة رصاصة في صدره ومقدوداً بسكين من عند رقبته وحتى أسفل بطنه، وقال أيضاً إن هناك إصراراً من قبل النظام على زج العلويين في المواجهة المحتدمة بينه وبين أبناء الشعب السوري، وإنه يجند "الشبيحة" من أبناء هؤلاء ويقوم بتركيز أعداد من الذين يتم تجنيدهم لهذه الغاية على أسطح البنايات الحكومية العالية ليستهدفوا برصاص بنادقهم أحياء معينة في مدينة حمص، حيث يقتلون العشرات من أبناء هذه المدينة يومياً.

وقال هذا الحمصي المستنجد بي, أنا العبد الفقير الذي لا يملك لا حولاً ولا قوة, إن كثيرين من أهل حمص قد أجهشوا بالبكاء عندما سمعوا خطاب خادم الحرمين الشريفين الأخير، وعندما شاهدوا صورته على شاشة "العربية"، وأضاف بصوت متحشرج: "لقد كنا نشعر بأننا لوحدنا، وأن العالم كله ضدنا بما في ذلك العرب والمسلمون... لكن عندما سمعنا صوت الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وسمعناه يقول ما قاله أحسسنا أن ضمائر إخواننا قد استيقظت وأنه لن نكون لوحدنا بعد الآن".

وذكر هذا الحمصي أيضاً أنه بعد ربع ساعة من انتهاء بث خطاب الملك عبدالله بن عبدالعزيز, الذي وجهه إلى سورية, بدأت قنابل النظام تنهمر على أحياء الجورة في دير الزور والمدينة في حماة والحولة في حمص، فهذا هو رد بشار الأسد على هذا الموقف السعودي، وهذا هو جوابه على المبادرة السعودية الكريمة.

في كل الأحوال لقد أشعرني هذا الاتصال من مدينة حمص التاريخية، التي نالت نصيباً وافراً من غضب نظام الرئيس بشار الأسد, منذ الخامس عشر من أبريل (نيسان) الماضي حتى الآن, كَمْ أن الشعب السوري يعاني فعلاً، وكم أن أكبر مؤامرة ممنهجة يتعرض لها هي إذكاء الاحتراب بين مكوناته الطائفية، وهنا فإن ما جعلني أشعر بأن مصير هذه المؤامرة هو الفشل أن المتصل من مدينة خالد بن الوليد طمأنني بأن روح الأخوة والعيش المشترك ستبقى تحكم العلاقات بين مختلف الطوائف السورية وخاصة العلاقات التاريخية بين أبناء الطائفة السنية وأبناء الطائفة العلوية.