المتفائلون يقولون بثقة وبشيء من الفخر إن هناك تغيرا طرأ على فكر الناخب الكويتي، وإنه أصبح أكثر وعياً وقدرة على التمييز بين المرشحين الساعين إلى الكرسي البرلماني من أجل مصالحهم الخاصة والمرشحين الساعين إلى خدمة الوطن والمواطنين، ولذلك، فإنهم متيقنون من أن تشكيلة المجلس القادمة ستكون مميزة وقادرة على انتشال البلد من حالة التأزيم المستمرة بوجود مجلس يمثل إرادة الأمة في التغيير نحو الأفضل، يساعده على ذلك رئيس وزراء جديد بنهج جديد، ولذلك هم متفائلون... جداً!

Ad

التفاؤل الذي يعيشه هؤلاء "الطيبون" يستند في أصله إلى الحراك الشبابي الأخير الذي أدى إلى استقالة الشيخ ناصر المحمد، وهو أمر يدل- حسب رأيهم- على أن هناك رغبة شعبية كبيرة في التغيير سيثبتها الناخبون في الانتخابات القادمة، حيث لن يكون هناك أي نجاح للنواب الانبطاحيين و"القبيضة" والبصامة، وأن هناك مجموعة كبيرة من المرشحين الشباب- من الطراز الملائكي- قادمة إلى الانتخابات، وهمها الوحيد خدمة الوطن والمواطن، وهي قادمة بقوة لتحل محل "القبيضة" إلى جانب نواب المقاطعة أو المعارضة الذين سينجحون كلهم ليكونوا مجلساً كما يريد ويشتهي الشعب!

أما أنا، فللأسف، لا أملك ذرة من هذا التفاؤل، وواقعيتي التي يعتبرها كثير من الأصدقاء تشاؤماً تجعلني لا أرى شيئاً مما يرى هؤلاء المتفائلون، فما حدث أخيراً في رأيي لا يتجاور الرغبة الشخصية لمجموعة من النواب المستائين من رئيس الوزراء في التخلص منه، وقد نجحوا في ذلك مستعينين بحالة التذمر الشعبي لأداء الرئيس وحكوماته المتتالية التي لم تنجز شيئاً من خطة التنمية أو المشاريع الخدمية التي يجري العمل فيها بسرعة سلحفائية مع تنامي أخبار "الإيداعات المليونية" والتحويلات الخارجية التي كانت القشة التي قصمت ظهر البعير، وجعلت انتصار نواب المعارضة سهلاً ويسيراً باستخدام خطبهم الحماسية لتهييج الشارع الممتلئ بالغاضبين والناقمين والطامحين مستقبلاً بالكرسي النيابي، مع عدد لا بأس به من الفضوليين... ومراسلي "تويتر"!

والحقيقة أنني لست متيقناً من صواب نظرتي التشاؤمية، لكنني أرى أننا لم نصل بعد إلى حالة الوعي المجتمعي الذي يجعلنا نحسن اختيار مَن يمثلنا، وأن التغيير الذي يراه البعض سرعان ما سيكون سراباً، وأن القبلية والطائفية والفئوية ستنتصر علينا في نهاية الأمر، وها هي الأخبار تتوالى عن "الفرعيات" القبلية هنا وهناك لتؤكد أن الأغلبية العظمى لم تستوعب الدرس بعد، وما زالت تبحث عن مصالحها الخاصة قبل كل شيء، وفي نظرها أن المسائل "خاربة خاربة" فلم لا توصل إلى المجلس من أبنائها من يفيدها وقت الحاجة، وليكن "بصاماً" أو "قبيضاً" أو ابنا للشيطان... لن تفرق كثيراً معهم! لعل بعضكم سيقول الآن: وماذا عن نواب المعارضة؟ ألم يصرح معظمهم بأنه لن يشارك في الانتخابات الفرعية؟ أليس هذا نوعا من التغيير والثقة بوعي الناخب؟! وعليه أرد وأقول: نعم، لقد فعلوا ذلك، لكن دافعهم ليس احترام القانون والالتزام به، إنما هو غرور الانتصار والشعور بالشعبية الجارفة والتيقن من النجاح بعد الأحداث الأخيرة، ولولا ذلك لما تردد كثير منهم في المشاركة في هذه الانتخابات الفرعية، وقد فعلوا ذلك من قبل وكانت "الفرعيات" السبب الرئيس في وصولهم إلى مجلس الأمة، ومن يدري، ربما يندم بعضهم على عدم مشاركته هذه المرة، حين يكتشف وهم شعبيته الجارفة التي ظنها في نفسه؟!

ما حدث في الفترة الماضية لم يكن أكثر من استياء شعبي من أداء رئيس الوزراء، امتزج بامتعاض نواب متطرفين من الرئيس لأسباب طائفية، اختلط مع غضب لعدد من النواب اكتشفوا أن نصيبهم من الكرم الحاتمي لم يتجاوز فتات المائدة، فكان نتاج ذلك رغبة عارمة في التخلص من الرئيس، وهو ما حدث بالفعل، وستأتي نتائج الانتخابات لتثبت أننا "لا طبنا ولا غدا الشر"، وإن كنت أتمنى غير ذلك، وأن أكون مخطئاً في واقعيتي، أو تشاؤمي... فلا فرق!