تشير تطورات ما بعد ما يُسمى بـ"الربيع العربي" إلى أن هذا الذي جرى والذي لايزال يجري قد أربك جماعة الإخوان المسلمين في مصر وفي غيرها، بقدر ما أربك العديد من الأنظمة العربية، فهم، أي الإخوان، بقوا حائرين منذ أن بدأ هذا الـ"تسونامي" يعْصفُ بهذه المنطقة، فمرة يتخذون موقف المعارضة، ومرة يتخذون موقف الشراكة مع أصحاب الحكم، وهذا جعلهم يفقدون قطاعاً واسعاً من الذين كانوا يؤيدونهم عندما كانوا يتقمصون وضعية الضحية، سواء في عهد حسني مبارك أو في عهد زين العابدين بن علي وغيرهما.

Ad

آخر تجليات هذا الارتباك أن إخوان مصر الذين اعتبروا أنفسهم شركاء للمجلس الأعلى للقوات المسلحة في البدايات بادروا إلى التلويح بمقاطعة الانتخابات التشريعية المقبلة، وأن "إخوان" الأردن بادروا سلفاً قبل نحو شهرين بأربعين تعديلاً أجراها مجلس الأمة الأردني، الأعيان والنواب، على دستور بلادهم إلى إعلان أنهم سيقاطعون الانتخابات التشريعية التي من المتوقع أن تجري في أحد أشهر النصف الثاني من العام المقبل.

حتى بالنسبة لحزب النهضة التونسي الذي يعتبر فرعاً للإخوان المسلمين في تونس، فإنه بدوره يعاني ارتباكاً شديداً، وفي حين أن بعض قادته يتحدثون عن الدولة المدنية فإن آخرين يتحدثون عن ضرورة القضاء على كل إصلاحات الحبيب بورقيبة وأهمها ما يتعلق بحقوق المرأة وتنظيم الأسرة.

أما بالنسبة لحركة "حماس" التي هي فرع الإخوان المسلمين في فلسطين، فإن ما يؤكد أن ثورة الربيع العربي في سورية قد فاجأتها وأصابتها بالارتباك أنها اختارت البقاء في دمشق متحلية بتلك الحكمة القائلة: "لا أرى لا أسمع لا أتكلم"، رغم أن إخوانها السوريين يشاركون في هذه الثورة المتصاعدة بل ويقولون إنهم هم الذين فجروها، وإنهم هم الذين يقودونها ويواصلون قيادتها.

ثم إن ما سيزيد من ارتباك هؤلاء في كل فروعهم هو ذلك التصريح الأخير الذي أطلقته من واشنطن المتحدثة باسم الخارجية الأميركية فيكتوريا نولاند، والذي أبدت فيه استعداد إدارة باراك أوباما للتفاوض مع الإخوان المسلمين، وهي لم تقل أي إخوان مسلمين، إن هم أعلنوا رفضهم للعنف، وحقيقة فإن هذا ليس جديداً، والمعروف أن الغزل بين الأميركيين وهذه "الجماعة" لم ينقطع في أي يوم من الأيام، وهذا لا عيب فيه على الإطلاق ما دام الإخوان حزباً سياسياً وليس كما يقولون، في بعض الأحيان، هيئة دعوية.

والمشكلة تكمن في أن الإخوان المسلمين الذين اختاروا الاصطفاف إلى جانب الولايات المتحدة والغرب الرأسمالي، أيام صراع المعسكرات والحرب الباردة، بقوا رغم كل هذه المتغيرات العربية والكونية يطلقون شعارات عامة: "الإسلام هو الحل"، ولم يبادروا إلى الاتفاق على خيارات برامجية، ولهذا فإننا نجد أن حركة "حماس" تتحالف مع نظام بشار الأسد مع أن معظم شعبه يقف ضده ويعمل على إسقاطه، وان إخوان الأردن حائرون وغير قادرين على الخروج من خنادقهم السابقة، بينما يعتبرون أن أي اتصال بالأميركيين رجس من عمل الشيطان، وكل هذا وإخوان مصر قد بادروا إلى مواجهة دعوات علمانية ومدنية الدولة بالقول إنهم يريدون دولة قانونية، مع أنه غير مفهوم ماذا يعنون بالدولة القانونية هذه!!