اختتم أمس الموسم البرلماني ومعظم الموسم السياسي الذي يشكل غالبية صورته في الكويت النشاط النيابي، على وقع الصخب المؤذي والقائم منذ سنوات، ومحملاً كذلك بمساءلة سياسية جديدة لرئيس الحكومة سمو الشيخ ناصر المحمد مع بداية دور الانعقاد المقبل، في سابقة جديدة ستشكل «تقليعة» ستضاف إلى «فانتازيا» الحياة السياسية الكويتية المحملة بتشوهات لا يمكن التعامل معها بسبب الرضوخ للعيوب التي اكتشفت في النظام السياسي الكويتي والتي لا يجرؤ أحد على معالجتها خوفاً من المتربصين بالمكتسبات الشعبية التي منحها دستور 1962 لكي ينقضوا عليها ويسلبوها، كما ترى الأغلبية، رغم أن هذه العيوب بدأت تذهب بمضمون تلك المكتسبات وتفرغها من محتواها. وبالتأكيد فإن تفاعلات ربيع العرب المتمثل في الثورات التي أدت إلى تغييرات ديمقراطية شعبية إجبارية في تونس ومصر، وتأثيراتها التي نتجت عنها تغييرات اختيارية في الأردن والمغرب، بدأت تضغط على الواقع الكويتي الذي كان يسبق الجميع بأكثر من خطوة، وأصبح اليوم متأخراً عنهم بخطوات، بسبب ضيق أفق البعض منا والتهاء البعض الآخر في منازعات على مكاسب شخصية وفئوية منعت عملية تطوير كانت مستحقة منذ أمد بعيد، ونتيجة لذلك فإن الكويت ستكون تحت تأثيرات ما يجري من متغيرات حولها مما سيشكل ضغطاً عليها لتجاريها عاجلاً أم آجلاً. ولكن يبقى التساؤل الأهم هو حول جاهزية البيئة الاجتماعية والسياسية في الكويت لتلك المتغيرات بسبب التناحر والصراع الذي تشهده مكوناتها في الآونة الأخيرة طائفياً وقبلياً، وقدرتها على بلورة إصلاحات دستورية بشكل إيجابي تتمثل في مشاركة شعبية أكثر فاعلية، أم إلى نموذج متشظي على شاكلة النموذجين اللبناني والعراقي اللذين أثبتا فشلهما ونتائجهما السلبية الخطيرة على مقدرات الدولة وتماسك النسيج الاجتماعي والوحدة الوطنية، وبالطبع فإن لا أحد يستطيع أن يجزم بنتيجة عملية تطوير كبيرة في الكويت بمنح صلاحيات مماثلة لما سيحدث في الأردن والمغرب، ولكن مؤشرات الممارسات السياسية الكويتية اليومية توضح أن عملية تناحر سياسي مدمرة ستنتج عنها بسبب ما شهدته الكويت خلال العقود الثلاثة الأخيرة من إرجاع المجتمع الكويتي إلى صورته البدائية عبر تكريس الانتماءات المذهبية والعرقية، وبالمقابل تم تخريب العمل السياسي الشعبي المنظم، وهو ما شكل ردة حقيقية للدولة الناشئة الكويتية. ولذلك فإن الكويت بحاجة إلى عملية ترميم وإصلاح كبيرة استعداداً لمتغيرات يجب أن تحدث لأن الوضع القائم لا يمكن أن يستمر بأدائه ومكوناته الحالية، وذكاء وحنكة النظام في الكويت الذي حافظ على وجوده لثلاثة قرون، لن يفرط في ثقة الكويتيين به، ورغبته في البقاء في موقعه، وكل ذلك يستوجب عليه أن يبادر إلى استغلال الفترة المقبلة لإجراء ورش عمل وحوار بعيدة عن الأضواء والجدل، لتهيئة الساحة لإصلاحات كبرى يجب أن تتم في بيئة مهيأة من الشعب وأبناء الأسرة الحاكمة لاحتضانها وإنجاحها لأن بقاء حالات الركود والمراوحة والتناحر الحالي يتسيد العمل السياسي ستكون نتائجه وخيمة وبالغة الضرر على البلد.
Ad