طلب علماء النفس من أطفال في سن الرابعة مشاهدة تسع دقائق من «رسوم متحركة مشهورة جداً عن اسفنجة متحركة تعيش تحت الماء»، فلاحظوا أن الأطفال قدّموا أداء أسوأ من العادة في اختبارات تتطلب التركيز وضبط النفس... فماذا في التفاصيل؟

Ad

لطالما اعتبر الأهالي أن التلفزيون يُفسد دماغ الأطفال، وتشير دراسة حديثة إلى صحة هذا القول، أقله عند مشاهدة رسوم متحركة سريعة الإيقاع. لوحظ أن الأطفال الذين شاهدوا تسع دقائق فقط من الرسوم المتحركة السريعة الإيقاع «سبونج بوب» قدموا أداء أسوأ من غيرهم عندما طُلب منهم تنفيذ مهمات تستلزم التركيز وضبط النفس مقارنةً بالأطفال الذين شاهدوا رسوماً متحركة بطيئة الإيقاع والأطفال الذين استمتعوا بالتلوين.

كانت الدراسة محدودة النطاق، لذا لم يكتشف العلماء المدة التي يدوم فيها تأثير البرامج على الدماغ. لكن لا تشدد هذه الأبحاث حصراً على أهمية الوقت الذي يمضيه الطفل في مشاهدة التلفزيون بل على نوعية البرامج التي يشاهدها أيضاً، بحسب رأي ديمتري كريستاكيس من معهد أبحاث سياتل للأطفال في جامعة واشنطن. لم يشارك كريستاكيس في الدراسة، لكنه كتب افتتاحية ذات صلة ظهرت بتاريخ 12 سبتمبر في مجلة «طب الأطفال» (Pediatrics).

صرّح كريستاكيس لموقع «لايف ساينس» (LiveScience): «لا تؤدي جميع البرامج التلفزيونية إلى تراجع التركيز. بل إن إيقاع البرنامج هو الذي يطرح المشكلة الفعلية».

رسوم متحركة

توصلت دراسات سابقة إلى نتائج مختلطة وغير دقيقة حول تأثير التلفزيون على نمو الطفل، لكن برزت في تلك الدراسات مؤشرات تحذيرية كافية لإثارة قلق الباحثين. مثلاً، وجد كريستاكيس في دراسة نُشرت في عام 2009، في «أرشيف طب الأطفال والمراهقين»، أن مشاهدة التلفزيون لفترة طويلة تُضعف الحوار المباشر بين الأهالي والأطفال، ما يعيق اكتساب اللغة والتطور الاجتماعي عند الأطفال.

سعت الدراسة الجديدة، برئاسة عالمة النفس أنجيلين ليلارد من جامعة فيرجينيا، إلى معرفة ما إذا كان نوع البرامج التلفزيونية التي يشاهدها الأطفال يؤثر على أدائهم. وقد استعان الباحثون بستين طفلاً في سن الرابعة وطلبوا منهم القيام بواحدة من ثلاث مهمات.

في المجموعة الأولى، قام الأطفال ببساطة بالتلوين طوال تسع دقائق. وشاهد أطفال المجموعة الثانية تسع دقائق من «رسوم متحركة مشهورة جداً عن اسفنجة متحركة تعيش تحت الماء». أما أطفال المجموعة الثالثة، فقد شاهدوا رسوماً متحركة واقعية على شبكة «خدمة البث العامة» عن صبي أميركي نموذجي في مرحلة ما قبل المدرسة.

لم تتمكن ليلارد من إجراء مقابلة للتأكيد على أسماء البرامج المستعملة في الاختبار، لكن تتوافق المواصفات المتوافرة مع برنامجَي «سبونج بوب» و{كايو» (Caillou) على شبكة «خدمة البث العامة». تم اختيار هذين البرنامجين بسبب اختلاف الإيقاع في كل واحد منهما. وفق ملاحظات الباحثين، كانت المشاهد تتغير في برنامج «سبونج بوب» كل 11 ثانية، مع عرض لقطات حماسية بوتيرة سريعة بين مختلف المشاهد. أما برنامج «خدمة البث العامة»، فقد كان إيقاعه أبطأ وكانت المشاهد تتغير فيه كل 34 ثانية تقريباً.

بحسب رأي كريستاكيس، زاد إيقاع برامج الأطفال بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة تزامناً مع ارتفاع المدة التي يخصصها الأطفال لمشاهدة التلفزيون. خلال السبعينات، كان الأطفال يبدأون بمشاهدة التلفزيون في سن الرابعة. أما اليوم، فيبدأون بمشاهدته في الشهر الرابع تقريباً. وتشير تقديرات «مؤسسة عائلة كايزر» إلى أن ثلثي الأطفال يمضون ما معدّله ساعتين يومياً في مشاهدة التلفزيون أو أي شاشة أخرى. يكمن القلق الأساسي في واقع أنّ الإفراط في تحفيز الطفل خلال البرامج الحماسية التي تكثر فيها الحركة يضرّ بالدماغ، ما يؤدي إلى نشوء مشكلة في التركيز في مرحلة لاحقة.

اختبار القدرة على ضبط النفس

بعد أن أنهى الأطفال مشاهدة التلفزيون أو التلوين، طلب منهم الباحثون أداء مجموعة متنوعة من مهمات لقياس قدرتهم على التحكم بتصرفاتهم أو قدرتهم الذهنية على التركيز وتجنب الالتهاء وضبط النفس. فخضع الأطفال لاختبار يقضي باتباع اتجاهات مختلفة، وقد شمل نقل أقراص من مكان إلى آخر، فضلاً عن ألعاب التركيز وحفظ ما يُقال تزامناً مع لمس رؤوسهم أو أصابع أقدامهم أو أي جزء آخر من الجسم، كذلك عددوا سلسلة من الأرقام بطريقة عكسية.

خضع الأطفال أيضاً إلى ما يُسمى «اختبار الخطمي» (أو التسرع في تناول السكريات)، وهو عبارة عن تحدٍّ مشترك لاختبار قدرة الأطفال على ضبط النفس. وضع الباحثون حلوى الخطمي أو المقرمشات (بحسب ما يفضله الأطفال) وغادروا الغرفة. لكن قبل مغادرتهم، أخبروا الأطفال بأنهم يستطيعون رن الجرس وتناول قطعتين من الحلوى أو المقرمشات فوراً. لكنهم إذا انتظروا عودة الباحثين، فيمكنهم تناول عشر قطع.

تبين أن اختبار قوة الإرادة يشير إلى مدى قدرة الأطفال على ضبط النفس حين يبلغون سن الرشد. إنه عامل مهم لأن ضبط النفس وتأخير إشباع الذات هما عاملان أساسيان في جميع المجالات، بدءاً من الحفاظ على صحة جيدة ووصولاً إلى بناء مسيرة مهنية ناجحة.

تأثير التلفزيون

تحقق الباحثون من النتائج وصنّفوا علامات الأطفال وفق مقياس موحّد لمقارنة أداء كل مجموعة. فلاحظوا أن الأطفال الذين شاهدوا «سبونج بوب» سجلوا نتائج أسوأ من الآخرين. مثلاً، بلغ متوسط العلامات في «اختبار الخطمي» لدى الأطفال الذين شاهدوا البرنامج على شبكة «خدمة البث العامة» حوالى 0،2. أما الأطفال الذين شاهدوا الرسوم المتحركة السريعة، فتراجع متوسط علاماتهم واقتصر على 0،5 تحت الصفر تقريباً.

في المقابل، قدّم الأطفال الذين شاهدوا الرسوم المتحركة البطيئة الإيقاع أداء بمستوى أداء الذين أمضوا وقتهم بالتلوين، ما يشير إلى أن مشاهدة التلفزيون بحد ذاتها ليست العامل الذي يسبّب المشكلة بل نوع البرامج التلفزيونية التي يشاهدها الطفل. وأضاف كريستاكيس: «من الخطأ أن يعمم الناس هذه الاستنتاجات وأن يعتبروا برنامج «سبونج بوب» سيئاً. إذ لا تتعلق المشكلة ببرامج معينة، بل بالخصائص التي تقدمها».

بحسب رأي كريستاكيس، يكون إيقاع البرامج المشابهة لبرنامج «شارع سمسم» (Sesame Street) طبيعياً. نظرياً، يعني ذلك أن الأخير لن يضرّ بأدمغة الأطفال على الأرجح، لكن لم تخضع تلك النظرية للاختبار بعد. عام 1977، نُشرت دراسة في المجلة الثقافية «الأبحاث التكنولوجية والتنموية» وقارنت الآثار المعرفية المترتبة عن الحلقات السريعة والبطيئة الإيقاع في «شارع سمسم» ولم تجد أي فرق بين النوعين. لكن ذكرت دراسة أخرى نُشرت في عام 2004 في مجلة «المهارات الإدراكية والحركية» أن هذا البرنامج نفسه سرّع إيقاع المشاهد منذ السبعينات، ولم يدرس أحد حتى الآن طبيعة الحلقات الحديثة.

لا يعرف الباحثون بعد مدة الخلل في وظيفة الجسم التنفيذية أو الطريقة التي يتأثر بها الأطفال الأصغر والأكبر سناً من نماذج الأطفال المشاركين في هذه الدراسة. لكن تشير الأبحاث إلى أن مشاهدة وسائل الإعلام عموماً لها آثار عدة على المدى الطويل. لا بد من إجراء دراسات إضافية للإجابة عن هذه الأسئلة، لكن تكفي هذه الأبحاث الراهنة لتحذير الأهالي.

وختم كريستاكيس قائلاً: «كحد أدنى، يجب أن يتعلم الأهالي من هذه الدراسة ضرورة ألا يشاهد صغارهم «سبونج بوب» قبل صدور التقييمات المتعلقة بحالتهم من روضة الأطفال!»