الكتابة والأسئلة المستديرة 2 – 2
س 5. ما دور الصحافة في رعاية التوجهات السياسية والتحزبات الفكرية في رأيك؟ج 5. تأثر كاتب المقال بالشأن السياسي أمر طبيعي ووارد، لأن السياسة غدت خبزاً يومياً يفرض نفسه على كل مناحي الحياة، ومن هنا قد يبدو من المستغرب ألا يهتم الكاتب الصحافي بهذا الشأن! فالسياسة، كما هو معروف، تظل أكثر الموضوعات إثارة للجدل والحوار، وتظل مصدراً ثرياً لا ينضب لاختلاف وجهات النظر، لذلك تبقى للمقالات السياسية حصة الأسد في مساحة أي جريدة يومية. أما مسألة تمثيل كاتب المقال للجماعة أو الحزب أو التجمع السياسي فهو أمر صحيح، بل ان هؤلاء يخططون بدقة لدفع من يمثلهم في الصحافة المقروءة بقوة.
ويمكن بسهولة التعرف على الأقلام ذات التوجهات السياسية والحزبية ومن يقف وراءها، وذلك من خلال ملاحظة القضايا التي تطرح بالتنسيق مع المجموعة الممثلة لذات التوجه، بحيث يعمل الكل كصوت واحد موحد النغم والأداء. وأرى أن هذا التنسيق والعمل كفريق جماعي هو ما يصنع التوجهات الفكرية المتنوعة أو إن صح التعبير المتضاربة، وذلك حين تشتد المعارضات والاحتقانات بين الفرقاء. وأرى أن للصحافة اليومية دوراً كبيراً في تحويل الميول الفكرية والسياسية في المجتمع (والتي يفترض أن تكون صحية) إلى ساحات للصراع وتصفية الحسابات مع الخصوم، بسبب تسهيل (بعض الصحف) لنشر ما يرد إليها دون عمل اعتبار للذوق العام، أو أخلاقيات المهنة، أو شرف الخصومة بين الفرقاء، مدفوعة بذلك إلى السبق الصحافي، الذي يجب أن يكون في آخر سلم أولويات أي صحيفة تحرص على مكانتها واحترامها.س 6. إلى أي مدى ترتبط الكتابة الصحافية اليوم بمفاهيم التوعية والقيم المهنية الصحيحة؟ ج 6. حين الحديث عن الوعي، يستوجب إدراك أن كلمة (وعي) كلمة ذات ظلال ومغازٍ إيجابية ولاشك، لذلك تغدو هذه الكلمة حين إلحاقها بالصحافة قلقة ومشوشة وغير دقيقة، فالصحيفة قد تكون صحيفة (صفراء)، أو عنصرية، أو مؤججة للنعرات الطائفية والعرقية، أو صحيفة تم شراء ذمتها أو ذمة من يكتبون بها، فأين الوعي ومعانيه الإيجابية، وأين القيم المهنية من كل هذه النماذج؟ لذلك أقول إنه إذا وجدت صحافة يُجمع الكل على نقائها ومثاليتها، حينئذ نستطيع أن نتحدث عن (الوعي).س 7. من خلال كتابتك للمقال، كيف ترين العلاقة بين الكاتب الصحافي وقرائه؟ج 7. أعتقد أن وجود القارئ المثابر والمتابع هو أحد أهم معايير العلاقة الصحية والدائمة بينهما. ولنا أن نعتبر أن بقاء الصحيفة واستمرارها بات منوطاً في معظم الأحيان باعتمادها الأساسي على كتاب معينين لهم شعبية وقرّاء، ويشكلون عامل جذب لا يُنكر. وبفضل التقنيات الإلكترونية الحديثة بات من اليسير الآن قياس عدد القراء المترددين على الصفحة ورصد التعليقات إن وجدت. ورغم ذلك فإن جودة الكتابة لا تُحَدّد بكم التعليقات بقدر ما تخضع لمعايير أخرى فنية وأخلاقية ومهنية. وكذلك تلعب الكاريزما أو الحضور الشخصي من خلال الأسلوب واللغة وحتى الصورة الفوتوغرافية دوراً كبيراً في تكريس هذه العلاقة النفسية والذهنية بين الكاتب والقارئ.س 8. في ظل تعدد أجناس الكتابات الآن كالمدونات الإلكترونية والمواقع الشخصية والـ"فيس بوك" والتويتر، هل تعتقدين أن المقال الصحافي لايزال قادراً على الصمود؟ج 8. لاشك أن المنافسة كبيرة في الفضاء الإلكتروني، حيث البضاعة الكتابية مبذولة وسهلة ومجانية، وحيث بات التواصل المحض هو الهدف الوحيد. وإن كان المقال قد تأسس منذ نشأته على مجموعة من الشروط الفنية والتقنيات الكتابية المميزة لجنسه الأدبي، فإن باقي الكتابات الإلكترونية سالفة الذكر لا تخضع لأي شروط فنية أو معايير جودة، اللهم إلا معرفة الحروف ومواضعها على (الكي بورد). وعليه فبقاء المقال وسط هذا الموج العاتي من الكتابات، منوط بمدى قدرته على الاحتفاظ بسمته الفنية وشخصيته المستقلة وإيمان كتّابه بدوره المهم في التعبير عن الحياة العامة.