خطوة في الاتجاه الصحيح!
إذا كان صحيحاً أن خالد مشعل، بعد انضمام "حماس" إلى التنظيم العالمي للإخوان المسلمين لتصبح الفرع الفلسطيني له، قد أوقف العمل العسكري، وأنه يتجه لإلغاء كتائب القسام وإحالة هذه الحركة كلها إلى حزب سياسي ببرنامج يستقطب الأجيال الشابة، فإنه يكون قد فعل ويفعل عين العقل، وهذا كان على "فتح" أن تفعله فور العودة إلى فلسطين؛ الضفة الغربية وقطاع غزة، وفقاً لاتفاقيات أوسلو بعد رحلة المنافي المضنية الطويلة. الآن هناك متغيرات كثيرة في هذه المنطقة وفي العالم كله، والمفترض للتلاؤم مع هذه المتغيرات أن يقدِّم الفلسطينيون صورة لدولتهم المستقلة المنشودة، التي هناك إجماع عليها بخطوطها العريضة من قبل معظم الدول الكبرى المؤثرة، ومن بينها الولايات المتحدة، غير هذه الصورة المشوهة القائمة في غزة. وهنا فإن ما يمكن الاتفاق عليه بسهولة هو أن تجربة الضفة الغربية بعد أن أصبح سلام فياض رئيساً للوزراء غدت أكثر إقناعاً للغرب والشرق بأن الشعب الفلسطيني يستحق هذه الدولة المستقلة، وغدت أكثر إحراجاً للإسرائيليين ولهذه الحكومة المتطرفة التي على رأسها هذا الأرعن بنيامين نتنياهو. كل حركات التحرر الحية تلجأ في العادة إلى مراجعة مسيراتها بين فترة وأخرى وتلجأ إلى التلاؤم مع الواقع المستجد في مجالها الحيوي، وفي العالم بأسره، وهذا من المفترض أن ينطبق على حركة "حماس"، إذْ إن هذا الواقع القائم في غزة، الحائر بين الدولة والثورة لم يعد مقنعاً للشعب الفلسطيني، ولا للعرب الحريصين فعلاً على القضية الفلسطينية، ولا لأصدقاء القضية الفلسطينية والمتعاطفين معها على مستوى العالم كله، إذْ إن جهاد المنافي والتلطي في العواصم العربية، القريبة والبعيدة، أصبحا يشكلان عبئاً ثقيلاً على العمل الفلسطيني لانتزاع الاعتراف الدولي بالدولة المستقلة وإجبار الإسرائيليين على وضع حدٍّ لممارساتهم التدميرية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وفي المنطقة كلها. إنه غير جائزٍ، بل هو كارثة أن يبقى الوضع الفلسطيني "متفلِّشاً" على هذا النحو، بينما غدا العالم كله مقتنعاً وداعماً لإقامة الدولة الفلسطينية المنشودة، والمفترض بدلاً من هذا التجوال بين العواصم العربية والإقليمية أن تكون هناك عودة لفلسطين وأن يبدأ الجميع وبخاصة "فتح" و"حماس" بتعميم التجربة التي يقودها سلام فياض لتشمل غزة، وأن يتم إلغاء كل هذه التسميات القديمة التي غدت مهترئة وبائسة وغير مقبولة وغير مفهومة من "العاصفة" إلى "كتائب القسام" إلى "كتائب الأقصى" لتكون هناك أحزاب ديمقراطية وطنية تقدم لشعبها ولأمتها وللعالم تجربة حضارية راقية تشكل إحراجاً لكل هذا التطرف الإسرائيلي، وتستقطب المزيد من القناعات بأن هذا الشعب العظيم والمكافح يستحق أن يقرر مصيره بنفسه، وأن يقيم دولته المستقلة، وأن يصوغ معاييره الثقافية والاجتماعية وفقاً لمعطيات القرن الحادي والعشرين. لا يفيد خالد مشعل ولا حركة "حماس"، ومن ثم القضية الفلسطينية، التي هي أكثر قضايا هذه المرحلة من التاريخ قدسية، أن يبقى هذا القائد الفلسطيني متنقلاً بين عواصم المنطقة يبحث عن مأوى بعد أن ضاقت عليه وعلى غيره الأرض بما رحبت، في ضوء كل هذه المتغيرات والمستجدات التي تجتاح المنطقة، ولهذا فإنه ومعه إخوته، يكون قد فعل عين العقل إن هو قرر فعلاً إيقاف العمل العسكري وقرر فعلاً تحويل "حماس" إلى حزب سياسي، وإن هو قرر فعلاً إنهاء جهاد المنافي والعودة إلى فلسطين إلى غزة أولاً، والبدء في ضوء خطوات المصالحة الفلسطينية السابقة واللاحقة بإنهاء هذا الوضع القائم المزري والمعيب واستعادة الوحدة الوطنية في إطار تجربة ديمقراطية وحضارية راقية تثير إعجاب العالم، وتحرج هؤلاء المتعصبين الإسرائيليين. هناك مثل يعرفه خالد مشعل يقول: "إن الثوب المستعار لا يدفئ"، وهذا يعني أن هذه الاستقبالات العسكريتارية التي يواجه بها في الخرطوم، وفي غير الخرطوم، لا قيمة لها، والدليل هو تجربة الحاج أمين الحسيني وأحمد الشقيري وياسر عرفات (أبي عمار) رحمهم الله جميعاً، فالآن هناك فرصة لالتقاط الأنفاس، ويجب ألا تضيع هذه الفرصة في البحث عن مأوى ومكاتب ومقرات في أي من العواصم العربية، والتقاط الأنفاس هو ما قيل عن وقف العمل العسكري غير الموجود أصلاً، وعن التحول إلى حزب سياسي، وهو أيضاً استكمال الوحدة الوطنية وصياغة مسيرة سياسية جديدة في فلسطين؛ في الضفة الغربية وغزة، تستند إلى التجربة الناجحة فعلاً لهذه الحكومة القائمة في رام لله التي على رأسها سلام فياض، والتي هي بالتأكيد ترجمة لتوجهات الرئيس محمود عباس (أبو مازن) وتوجهات العديد من إخوانه في "فتح" وفي غير "فتح".