أتاحت حكومتنا الرشيدة لي اكتشاف أسلوب جديد لنقل المعلومة.
بسبب التعسف في احتجاز الشباب المتهمين بتنظيم مسيرة غير مشروعة ضمن تهم أخرى، تواجدت أمام قصر العدل مع مئات آخرين أغلبهم من الشباب للتعبير عن التضامن مع المعتقلين السلميين والاحتجاج على التعسف في استخدام السلطة.قبل تواجدي في محيط قصر العدل يومي الخميس والجمعة، كنت، على عكس كثير من الناس، متفائلاً بالحراك الشعبي، وبعد احتكاكي ونقاشي مع العشرات من الشباب الموجودين هناك، أصدقكم القول بأنني قد زاد تفاؤلي أضعاف ما كنت عليه.لماذا؟ هاكم الأسباب.التنوع في التجمع كان عنصراً مهماً في تحديد معالم المستقبل، فالظن بأن هناك طغياناً لشرائح اجتماعية بعينها هو وهمٌ كبيرٌ يحتاج من الذين يُشيعونه بغرض أو بغير غرض أن يأتوا لاكتشاف أنهم في وهمٍ كبيرٍ. هذا التنوع والتماسك هما نقطة انطلاق لمجتمع أكثر وعياً بحريته واستقرار وطنه. لم يكن نواب مجلس الأمة من الموجودين أمام قصر العدل هم محور ارتكاز التجمع. وهذه نقطة أساسية. بل إن عدداً لا بأس به ممن تحدثت معهم لم يكونوا بالضرورة مؤيدين لطروحات العديد من النواب، كما أن العديد كانوا مع تطبيق القانون على الجميع دون استثناء. كما اكتشفت أيضاً أنه حتى إن من الموجودين المتضامنين مع المعتقلين من لا يوافق على اقتحام المجلس، ولكنه في المقابل لا يوافق على تسييس العدالة، ولا يوافق على الانتقائية في تطبيق القانون، ولا يوافق أبداً على اختطاف الدستور. بل اتضح أن الحراك الشعبي الحالي قد تجاوز نواباً بعينهم فهم ليسوا إلا جزءاً منه.في يومي الخميس والجمعة، كنت أذهب متضامناً، دون هدف محدد، ولا أسعى إلى التحدث لأجهزة الإعلام، فما أن وصلت إلى ساحة العدل، كاسم مقترح للساحة المقابلة لقصر العدل، حتى التف حولي عدد من الشباب ليمطروني بأسئلة تتجاوز موضوعنا السياسي لنبحر واقفين، وبشيء من قرصة برد، في فضاء الحرية، والحديث عن الأخطاء والتناقضات التي يقع فيها الجميع. ومع أنه لا يوجد أسئلة غبية، حيث إن الإجابات قد تكون كذلك، فإن أسئلة الشباب أيضاً كانت ذكية، بل تعلمت منها الكثير. كما تعلمت أن مَن يظن، مجرد ظن، أن الموجودين هناك ليسوا إلا مجموعة من التابعين للنواب فعليه أن يعيد حساباته، وأن يستوعب أن تغيراً في المجتمع قد حدث. أما أجمل ما في المسألة فهو أن اعتقال الشباب والاستمرار في التعسف ضدهم في قضية ذات بعد سياسي سيؤدي إلى تقويتهم، وتعزيز إمكاناتهم بتجارب كانت تنقصهم، ألا وهي تجربة الاعتقال.من القضايا الهامة في إطار النقاشات والحوارات الدائرة في ساحة العدل كانت قضية الإنسان وكرامته وحريته، وهل من الجائز أن تكون مزدوجة المعايير، أي بمعنى هل نطالب بالحرية فقط لمَن يتفق معنا في الرأي ونغمض الطرف عن غيره؟ وقد ذكرت الموقف السلبي، إن لم يكن العدائي واللامبالي، من قوى سياسية ونواب وناشطين من التعسف الذي تعرض له المغرد ناصر أبل، حتى إنه لم يكن يتم إحضاره للمحكمة لأكثر من مرة من سجنه مما جعل مدة حبسه الاحتياطي تتجاوز 3 أشهر، وهي مدة الحكم الذي حُكِم عليه. بينما نجدهم يحتجون على ذات التعسف الذي يُمارَس بحق مَن هم قريبون منهم. كنت أظن أن الفكرة تحتاج إلى شرح كثير فوجدت اتفاقاً حولها أقنعني بأن الشباب متجاوزون بمراحل لطروحات تقليدية.وأنا على وشك الانتهاء من كتابة مقالتي هذه، جاءني اتصال من فاطمة المطوع، وهي كما يبدو إحدى الناشطات في الميدان، تطلب مني إلقاء محاضرة في ساحة العدل، أي في الشارع، للحديث بما يتجاوز موضوع النواب والحديث عن المستقبل، ودون تردد وافقت، فالحديث مع الشباب ونقل الخبرات، والتعلم منهم في الشارع تجربة تستحق العناء، ففيها إسهام في نقل المعلومة بدون قيود ودون إجبار ودون جدران وبلا أسقف، فشكراً مرة أخرى لحكومتنا الرشيدة، فهي، بالتأكيد، وعن غير قصد، تسهم في تأطير وتقوية حراك شعبي واعد لبناء مجتمع حر، تسوده المساواة، وتكافؤ الفرص، وتعزيز كرامة الإنسان.
أخر كلام
دروس في الشارع
26-11-2011