الثقافة... اهتمام واجب!
الإنسان كائن حي، وكجميع الكائنات الحية، يعيش متأثراً بعناصر البيئة المختلفة التي تحيط به، وكلما علا نجم عنصر معين وطغى على باقي العناصر الأخرى، كان تأثيره أكبر وأوضح على حياته. ولأن عنصر الشأن السياسي كان وحده هو العنصر الطاغي على باقي عناصر بيئة الحياة الكويتية، فلقد ترك بصمة واضحة على مختلف نواحي حياة الإنسان في المجتمع الكويتي. طوال السنوات الماضية، وجرعة الهم السياسي تتصدر المقدمة، حتى بات الإنسان الكويتي، وبمختلف شرائحه متأثراً، وعياً أو دون وعي، بالهم والشأن السياسي، ومؤكد أن ذلك جاء على حساب باقي الهموم الأخرى، سواء كانت فكرية أو علمية أو اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية أو فنية أو رياضية.
أرى إمكانية تمثيل مجمل الحراك الإنساني في أي مجتمع من المجتمعات بعجلة كبيرة بتروس وأسنان مختلفة، كل ترسٍ أو سنٍ يمثل عنصرا من عناصر الحراك الاجتماعي، وأن حركة هذه العجلة صعوداً أو هبوطاً، إنما تعني بالضرورة صعود المجتمع بمختلف عناصره أو العكس. وبالتالي يصعب العثور على مجتمع محطم اقتصادياً، ويعيش نجاحاً فكرياً أو علمياً، مثلما يصعب تصور مجتمع تسوده الأمية، قادر على أن يكون بارزاً على مستوى الاقتصاد. وهذا ما يخلص إليه علم الاجتماع بأن حركة صعود وهبوط أي أمة من الأمم إنما هي حركة متكاملة، مع اعتمادها على عنصرين أساسيين هما الاقتصاد والقوة العسكرية. وإذا كان المجتمع الكويتي من المجتمعات المزدهرة اقتصاديا، فإن ذلك يتطلب بالضرورة انفتاحاً عصرياً على الحرية والديمقراطية، ووعياً وفكراً وثقافة تتناسب والازدهار الاقتصادي، وإلا تعثرت حركة الاقتصاد، وجرت وراءها باقي عناصر المجتمع، وبسبب عجز أي عنصر منفرداً عن التأثير في باقي عناصر المجتمع، مما يفسر ازدهار ونهوض الحراك الاجتماعي متى ما تناغمت حركة مجمل العناصر. إن المتتبع للشأن الثقافي والفني في الكويت، يرى بوضوح مدى انكماش حضور الثقافة والفن على ساحة المجتمع الكويتي، مقارنة بالشأن السياسي، وكيف أن علو نبرته أخذ اهتمام المواطنين، بوعي أو دون وعي، إلى الخوض معه، وأبعدهم عن الاهتمام بأي شأن آخر، ولن أكون مبالغاً إذا ما قلت ان الاحتراب السياسي اليومي المحتدم في الكويت، أصاب الفكر والثقافة والفنون في مقتل، حينما سرّب لوعي المتلقي الكويتي اليومي، وعبر مختلف وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة أن الشأن السياسي هو وحده الشأن الذي يستحق المتابعة، وهو وحده القادر على تحديد مصير أبناء الأمة، مما خلق اهتماماً شعبياً طاغياً ومتبايناً، وولّد رغبة جامحة في متابعة واشتغال مجاميع كبيرة من أبناء المجتمع الكويتي بالشأن السياسي. وصار حلم أجيال من الشباب يتمحور حول مفردات السياسة، بدءا من كتّاب الأعمدة السياسية في صفحات الجرائد اليومية، مروراً بمقدمي البرامج السياسية في القنوات الفضائية، وانتهاء بحلم الشباب بوصولهم إلى قبة عبدالله السالم في مجلس الأمة. إن قراءة متأنية لوضع المجتمع الكويتي، وما يعتلج في قلبه من صراعات، وما يتهدده من أخطار خارجية كبيرة، تتطلب ضرورة تكاتف جميع الجهود المخلصة للخروج من هذا الوضع المقلق. وتسليط مزيد من الضوء والاهتمام والتشجيع لباقي عناصر نهضة المجتمع ويأتي في المقدمة من ذلك الاهتمام بحرية الشأن الفكري والعلمي والثقافي والفني، كون الإنسان في المحصلة هو فكر وهو وعي وهو ثقافة. أعلم تماماً غياب الثقافة والفن عن أجندة معظم السادة أعضاء مجلس الأمة الجديد، وأعلم أن حضورها، إذا ما كُتب لها حضور سيكون خجولاً، لكني لا أملك إلا أن أسجل كلمتي بأن اهتماماً بالفكر والثقافة والفن، هو اهتمام بنبض الوطن الحي ووجهه الأجمل.