المقصود "بالفرعي" في هذا المقال هو أي شكل من أشكال "التصفيات" أو"التشاوريات" أو"الاجتماعات" سمها ما شئت، والتي تجرى على أساس فئوي أو طائفي تمهيداً لترشيح ممثل لطائفة أو عائلة أو قبيلة كي يخوض الانتخابات البرلمانية أو البلدية أو الطلابية أو انتخابات الجمعيات التعاونية.

Ad

إذن نحن نتحدث عن نوع الانتخابات لا عن شكلها أو طريقتها فقط، فالأشكال والمسميات والآليات والطرق متعددة ومختلفة بالطبع، وهي لا تعني شيئاً لأن المحظور دستورياً وقانونياً هو النوع وليس الشكل أو المسمى. لقد بدأت الانتخابات الفرعية بشكل واضح في بداية الثمانينيات بعد أن أقرت الحكومة منفردة نظام الـ"25" دائرة انتخابية، وكانت انتخابات طائفية في منطقة "الدعية"، ثم انتشرت بعد ذلك الانتخابات الفرعية القبلية والطائفية أيضاً في بقية المناطق الانتخابية، وكانت تسمى إعلاميا إما "فرعيات القبائل" التي كانت أكثرها شهرة وتركيزاً إعلامياً، وإما "اجتماعات الطوائف" كتلك التي كانت، وما زالت، تجريها القوى السياسية الإسلامية التي تقوم على أسس طائفية (سنّية أو شيعية) أو التي تنظمها الآن القوى الطائفية، مثالاً لا حصراً، في الدائرة الانتخابية الأولى، أما بعد قانون 9/98 فقد اختلفت المسميات إعلامياً فأصبحت "تشاوريات" قبلية أو "قوائم" طائفية... والآن، بعد حكم المحكمة الدستورية، فإنها قد تحمل اسماً إعلامياً جديداً لكن المحتوى يبقى كما هو لم يتغير. وكما سبق أن قلنا، فإن الانتخابات "الفرعية" أو "التصفيات" أو "التشاوريات" أو "القوائم"... إلخ. الفئوية والطائفية ليست مقصورة على الانتخابات البرلمانية، بل إنها تُجرى أيضاً أثناء انتخابات المجلس البلدي والجمعيات التعاونية وانتخابات النقابات العمالية ومؤسسات المجتمع المدني والاتحادات الطلابية بما فيها فروع الاتحاد الوطني للطلبة في الخارج، كما لا تقتصر على "أبناء القبائل" بل يجريها الطائفيون وأبناء العوائل كعائلة "الكنادرة"، مثالاً لا حصراً، التي سبق أن أعلنت مرشحها لمجلس الأمة، وانتخابات طلبة "التطبيقي"، فهل سيطبق القانون هنا أيضاً؟ وكيف؟ ثم، وهذا هو الأهم، هل القانون وحده أو استعراض القوة الأمنية أو التصريحات الإعلامية الرسمية كافية وحدها للقضاء على هذه الظاهرة غير الديمقراطية؟ ألا يتطلب الأمر البحث الجدي عن الأسباب الحقيقية التي دعت وتدعو الناس إلى الاصطفافات القبلية والطائفية والفئوية والتي عُبر وسيُعبر عنها بأشكال وطرق متعددة وبمسميات مختلفة؟

أليس ذلك مظهراً من مظاهر ضعف مؤسسات الدولة الدستورية الديمقراطية التي لو كانت قوية وغير منحازة لما اضطر الناس للاصطفاف الطائفي والقبلي والفئوي والعائلي، وهو الأمر الذي يتطلب القيام بإصلاحات سياسية جذرية وشاملة تجعل اصطفاف الناس للوطن أولا وليس لهوياتهم الصغرى، وذلك نتيجة لشعورهم بأن المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات هي الأساس في تعامل الدولة مع مواطنيها؟

وحتى لا يساء فهم ما نقول، فإن كاتب هذه السطور كان ولا يزال وسيظل ضد "الفرعيات" القبلية والطائفية والفئوية منذ عقود لأنها تتعارض مع فكرة الدولة الدستورية الديمقراطية والمواطنة المتساوية.

كنا ضدها، وسبق أن كتبنا معارضين لإقامتها، وتحملنا الكثير من العتب واللوم من أقرب الأقرباء والأصدقاء في وقت كان الأغلبية معها، وكانت قوات الأمن تحميها والقوى الإسلامية تؤيدها، وكان بعض "أبطال اليوم" يبني أمجاده الشخصية من خلالها!

نافذة:

موضوع صحة الإجراءات الدستورية التي رافقت استقالة الحكومة السابقة، وتعيين رئيس مجلس الوزراء الجديد ثم حل مجلس الأمة، يجب أن يحظى بالاهتمام اللازم من قبل القوى الحريصة على احترام الدستور، لأن هناك آراءً دستورية معتبرة ترى أن الإجراءات كانت غير سليمة، وهو ما سيثير شبهة عدم الدستورية على المجلس القادم، ناهيكم عن مبدأ رفض تجاوز الدستور مهما كانت المبررات.