أكثر ما يربكني ويصيبني بحيرة بعد نهاية أي قصة حب هو: ماذا يفعل العاشقان بما يتبقى لهما من آثار حبهما؟!

Ad

سؤال لم أجد له إجابة نموذجية حتى هذه اللحظة.

وأنا لا أقصد الآثار المعنوية بل أقصد الآثار المادية تحديدا.

قد تبدو الآثار المعنوية في النهايات مؤثرة وعميقة وربما تكون مدمرة أيضا، إلا أنني أعتقد أن الآثار المادية ليست أقل تأثيرا منها،

الرسائل سواء تلك التي أغرقت بدفئها الأوراق، أو تلك التي اتخذت ركنا قصيّا وخاصا في هواتفهما المحمولة،

ماذا يفعل العاشقان بتلك الرسائل، هل يسلمان دفء الكلمات في تلك الأوراق إلى قبضة النار لتحتفل بتحويلها إلى رماد في مشهد تراجيدي يقضي على ما تبقى من أنفاس مشاعر كانت ترد النفس لقلبيهما في لحظات سابقة، أم يقومان بمسح كل الرسائل الأخرى التي ضمتها الهواتف المحمولة بضغطة زر واحدة، ضغطة زرّ كافية لأن تجعل كل هذه الرسائل بما حملت من نبض وكأنها لم تكن، ولم تخلق أبداً!!

هل هذا هو القرار الصائب؟! وهل من السهولة فعله؟!

ماذا يفعل العاشقان بصورهما بعد الفراق؟!

هل الأفضل أن يقوم كل منهما بإحراق صورة الآخر أو تمزيقها؟! أم يكتفي كل منهما بنزع صورة الآخر من البرواز وإخفائها مع إبقاء البرواز فارغا، أو ربما وضع صورة أخرى لشخص ما أو لشيء ما لا يحمل أي دلالة محددة وإنما يوضع فقط لملء الفراغ؟!

الهدايا، العطور المرتبطة بشكل ما بالآخر، المناديل الورقية التي كتب عليها بخط الحبيب عبارة ما خلال موعد لهما في أحد المقاهي أو المطاعم والمؤرخة بتاريخ ذلك اليوم، ومنديل آخر عليه قبلة وكأنما أرادت الحبيبة أن تترك بصمة لنعومة شفتيها فيه، خصلة شعرها، نسخة من مفتاح غرفته الخاصة في منزله، فنجان القهوة التي تقاسماها معا ومازالت رائحة البن عالقة به، وكذلك رائحة الحميمية التي كانت تجمعهما حينها، ذلك الشال الذي تدثرا به معا عندما هبت نسمة باردة مباغتة، مظلة المطر التي تشاركا الاحتماء بها لحظة انهمار المطر، الشريط الممغنط "السي دي" لمطرب أو مطربة ما والذي كانا يستمعان إليه في السيارة أثناء تجوالهما معا في شوارع المدينة ذات صباح شتائي، دفتر صغير حرصت الحبيبة على تعبئته بيومياتها أثناء سفر حبيبها، ودفتر صغير مماثل من الحبيب لها، وردة جافة لدى أحدهما يخيّل له أنها مازالت تحتفظ بذات الشذى!!

الشوارع التي عبراها معا، الفنادق، المحلات، دور السينما، الأصدقاء المشتركون، الحمامة التي تقف على شباك أحدهما كل صباح خلال مكالمتهما الصباحية والتي طالما تحدثا عنها،

كل هذه التفاصيل وغيرها ما مصيرها؟! هل من المعقول أن نقرر إعدامها فقط خشية أن تبقي هذه التفاصيل جمرة الغرام الذي نريد قتله متقدة؟! وهل فعلا بقاء هذه الأشياء كفيل بإبقاء جذوة الحب، ومحوها كفيل بقطع شجرة العشق من جذورها؟!!

الآثار المعنوية التي تبقى حبيسة الضلوع بعد الفراق لا نملك غالبا القدرة على إزالتها أو عدم إزالتها، فهذه مصيرها بيد الزمن، ولكن الآثار المادية التي نتحكم في مصيرها، ماذا نفعل بها؟!