المعروف أن القرار الذي اتخذه وزراء الخارجية العرب في اجتماعهم الأخير في مبنى الجامعة العربية في القاهرة بالنسبة إلى سورية كان قرار مجاملة لدول "الممانعة"!! التي لكل واحدة منها أسبابها الخاصة لوضع يدها على قلبها قبل اتخاذ أي قرار حازم ضد نظام الرئيس بشار الأسد، وهذه الدول هي الجزائر والسودان واليمن، وهناك من يضيف سلطنة عُمان والعراق، إذ إن من الطبيعي أن يتخذ نظام الرئيس علي عبدالله صالح المعلق من رموش عينيه هذا الموقف الحذر، وأن ترتجف فرائص الرئيس عمر حسن البشير عندما يجري الحديث عن أي عقوبة رادعة لإنقاذ الشعب السوري من المذبحة التي يتعرض لها.

Ad

ولقد كان معروفاً أن النظام السوري بلسان مندوبه إلى الجامعة العربية وبألسنة كثيرة سيبادر إلى رفض هذا القرار والتحفظ عنه، فالرئيس بشار الأسد كان قد أوضح لدى استقباله الموفد الروسي، الذي التقاه منذ شهور في دمشق، أنه إذا "أوْقَفَ إطلاق النار" وسحب قواته من المدن والقرى السورية وأعادها إلى معسكراتها فإن قصره سيغرق في اليوم الثاني بأمواج عاتية من المظاهرات، وأنه سيسقط كما سقط زين العابدين بن علي، وكما سقط زميل وصديق والده محمد حسني مبارك.

كان على العرب الذين يوجعهم فعلاً وجع الشعب السوري، والذين يخيفهم أن تذهب سورية إلى التشظي والانهيار إذا بقي هذا النظام يتصرف بهذه الطريقة وإذا بقوا هم يلوذون بالمثل البائس القائل: "العين بصيرة واليد قصيرة"... كان على هؤلاء ألا يصبروا كل هذا الصبر وألا يتريثوا كل هذا التريث، وكان عليهم ألا ينتظروا لملمة وضعٍ عربي مزر ومخجل، ويتركوا دولة محورية شقيقة تنهار كما انهار العراق وكما انهار الصومال.

إنه من غير الممكن توفير إجماع عربي على قرار تتخذه الجامعة العربية لردع نظام الرئيس بشار الأسد ومنعه من مواصلة استخدام القوة العسكرية المفرطة لمعالجة انتفاضة شعبه ضده وضد نظامه، ولهذا فإن الانتظار لإقناع المشير عمر حسن البشير وإقناع باقي ما تبقى من نظام الرئيس علي عبدالله صالح سيوفر لهذا النظام السوري الفرصة التي يريدها والتي تريدها روسيا "الفلاديميرية" للقضاء على هذه الانتفاضة التي تحولت إلى ثورة شاملة، والتي ستتحول حتماً إلى مواجهة عسكرية مكلفة إذا تواصلت الانشقاقات في الجيش السوري وهي ستتواصل بالتأكيد.

ولهذا فإنه لابد من القول للدول المنحازة إلى النظام السوري بحكم أوضاع رؤسائها وأوضاع أنظمتها وأيضاً للدول المؤلفة قلوب القائمين عليها إن للصبر حدوداً، وإن الاستمرار في السكوت عما يتعرض له السوريون من مذابح يومية هو أكثر من مشاركة في هذه الجريمة البشعة، ولابد من الفراق إذا كانت هذه الوحدة الهشة تعني الصمت عما يجري في سورية من مذابح بشرية، وأيضاً الصمت عما يجري في "اليمن السعيد" من جرائم على أيدي جلاوذة النظام وأعوانه.

لا ضرورة إطلاقاً لهذه اللجنة الوزارية التي جرى تشكيلها، ولا ضرورة لسياسة الترضيات هذه، بينما تتواصل المذابح اليومية في كل مدن سورية، وعلى الأمين العام للجامعة العربية الجديد أن يدرك أنه لو انتظر عرب الجامعة إجماعاً عربياً لاتخاذ موقف حازم تجاه غزو صدام حسين للكويت فلربما تأخر تحرير هذه الدولة الشقيقة سنوات عدة... إن ليس حتى الآن!