ربما كنت في الخامسة عشرة من عمري حين سألت أستاذي عن معنى عبارة كانت غريبة على سمعي وما كنت قد سمعتها من ذي قبل: "كل الطرق تؤدي إلى روما؟!".
فهمتها حينذاك على أن روما المدينة الكبيرة جدا والعريقة بتاريخها من السهل الوصول إليها لأن لها أبوابا كثيرة ولا يضيع قاصدها مادامت هذه العبارة وصلت إلى مقام "الحكمة" أو القول الذي لا يشكك فيه أحد ويتداولها الناس حتى في شرقنا العربي.تذكرت هذه الجملة وأنا أتابع أخبار الثورات العربية أو أخبار "الربيع العربي" التي مازالت مشتعلة بالمزيد من الأحداث والأخبار وكلها متشابكة ومتصالحة في الوهلة الأولى ولكنها متخاصمة حين لا يحمل الفعل تطلعات "الثوار" الذين هم من الشعب.قال لي أستاذي مجيبا عن سؤالي: إن المقصود من الجملة المأثورة "جميع الطرق تؤدي إلى روما!!" هو: أن المدن الكبيرة والعظيمة في كل شيء تلتقي فيها صور الحياة بكل أشكالها وأنواعها.ففيها المساجد والكنائس كما فيها الملاهي والكبريهات وبيوت الدعارة، وفيها العلم والعلماء كما فيها الجهلة والمشعوذون، وفيها المحترمون كما فيها الساقطون أي أن فيها كل المتضادات والمتوافقات.وإذا أمعنا النظر في أخبار الثورات العربية فإننا نجدها مازالت تحبو وسط صخب وضجيج وخطى بطيئة، حتى انطبقت عليها هذه العبارة أو الحكمة، فنجد من الأحزاب والتكتلات والتجمعات والأسماء تنادي ببرامج متنوعة ومختلفة وتضع بعض المطالب في مستويات يتقدم بعضها على الآخر.الأمر الذي خلَّف الكثير من الانفلات المخيف ولم يعلن أحد قدرته على التصدي له إلا بالهتافات والنداءات، وإن علت أصوات هنا أو هناك فإنها تصطدم بسلوكيات أكثر تطرفا مما كان متوقعا حين انطلقت الثورات بشعاراتها "السلمية"، وكأن هناك أيادي خفية لها مخططات تلعب دورا تحريضيا على مطالب الشعب وأمنياته بالعيش الكريم والحرية الحقيقية. وأهمها إفشال الثورة!!فكلما تأخر تحقيق مطالب الثوار نسمع من يتحدث عن تدخل خارجي أو بقايا النظام البائد ليحرك الشارع ويصعد الموقف بالتطاول على الممتلكات العامة، ويضخم صور "البلطجة" و"الشبيحة" وهي مصطلحات كانت وستبقى جزءا من حياة الشعوب أينما كانوا وبأسمائها المعلنة أو المستترة.إذن ما الحل؟ هل سيطول زمن التخبط والتعثر بينما تسير الثورة نحو فضاءات سعت إليها حاملة الأمنيات بالتطور والانفتاح على العالم الواسع بكل معارفه ومقدراته، وهي أمنيات طالما طالب بها الشعب حكامه الطغاة الذين ضربوا بها عرض الحائط وطأطؤوا رؤوسهم خدمة لسيدهم الأكبر، فكانوا خدما لقوى الشر في الوقت الذي كانوا فيه جلادين لشعوبهم؟تونس أولى شرارات الشعوب العربية الثورية سكنت واستكانت وتسير فيها الأمورعلى بطء وبدون صخب، ولكنها لم ترق إلى المستوى المطلوب! والبحرين مازال الغموض يكتنف ثورتها ومستقبلها فنهجها في ظاهره مطالب بالمساواة والديمقراطية، بينما تخفي طائفية تكرس تقسيم البلاد هي في غير حاجة إليها.فاليمن مازال الوضع شائكا، ومقدرات البلاد معطلة بينما رئيسها "الغائب- الهارب" يراوغ بينما يريده الشعب، فلماذا هذا التشبث في رئاسة شعب يرفضه؟ولمصر وضع خاص ومختلف فهي الأهم عربيا، والشعب بكل أطيافه ومستوياته هو الأكثر فعلا وتفاعلا مع ثورته، ففيها "كل الطرق تؤدي إلى روما"، حيث يلتقي الثائر والمعارض والمثقف مع الأمي والقيادي مع الحزبي... إلخ، وتموج وتتشابك فيها كل صور الحياة بشكل معقد ومتشعب ما بين محاكمة رموز الفساد ورئيسه إلى أذنابه الهاربين، وفلولهم من طلقاء المساجين الخطرين والمنتفعين، ناهيك عما تتناقله الأخبار عن أطراف خارجية تريد أن تجعل من مصر ساحة صراع، واقتتال يتجاوز القانون وأخذ الحق باليد كما فعل أهالي بعض القرى في قصاص بعض المجرمين، وتنفيذ الحكم فيهم في وجود شرطة ضعيفة الأداء، وكذلك ما حدث في سيناء من مواجهة الجيش مع فلول وعصابات قيل إنها عناصر خارجية، وهذه ظاهرة خطيرة تهدد أمن مصر وشعبها.فمتى يلتقي كل الثوار بأحزابهم وتجمعاتهم وأطيافهم وهم يرددون: "كل الطرق تؤدي إلى ميدان التحرير"؟!* كندا
مقالات - اضافات
كل الطرق تؤدي إلى ميدان التحرير!!
17-09-2011