أولى بالنائب صالح عاشور أن يقدم استجوابه كمذكرة دفاع للمحكمة الجزائية التي ستنظر في اتهامات الإيداعات والتهم الموجهة إليه بالتحديد، والذي أتمنى شخصياً أن يخرج منها بريئاً، أما أن يقدم مثل هذا الاستجواب لرئيس الحكومة الجديد الذي ليس له أي علاقة بما قد ينسب إلى رئيس الحكومة السابق الشيخ ناصر المحمد، فهذا لا معنى له الآن، وليس استجوابه، وهو حق له لا ينازعه فيه أحد، إلا من قبيل ذر الرماد في العين، وكأنه يقول: أنا بريء من التهم الموجهة، وأزيد بأنني سأتقدم باستجواب "لغير المسؤول" لإظهار حقيقة براءتي! فاستجواب النائب صالح عاشور في حقيقته وسيلة دفاع ارتدت ثوب الهجوم، وليس هذا ما ينتظره الناخبون الذين وثقوا به وصوتوا له، كي يكون الوحيد الذي وصل إلى كرسي النيابة من بين النواب السابقين الذين يقدمون الآن للمحاكم المختصة بتهم غسل الأموال "ظاهرياً" أو قبول الرشا السياسية واقعاً. كان يفترض بالنائب عاشور أن ينتظر بداية نتائج التحقيق الذي تجريه النيابة العامة، أو يتمهل حتى يصدر الحكم النهائي من المحكمة المختصة ويكون عنواناً للحقيقة، لكن أن يسارع في لعبة سياسية خاوية من أي معنى بتقديم مثل هذا الاستجواب فهو عمل لا جدوى منه، وإضاعة لوقت المجلس والحكومة، بينما الناس ينتظرون من هذا المجلس، وتلك الحكومة بالتحديد الكثير من الإنجازات الحقيقية على صعيد دولة القانون والتنمية في وقت حرج يتهدد الدولة أخطار تبديد مالي وترضيات سياسية للصغار والكبار على حساب مستقبل مجهول النهاية. مصير مثل هذا الاستجواب، الذي يتصور البعض أنه أوقع الأغلبية البرلمانية في حرج معروف، ومحكوم عليه بالفشل مقدماً، وقد يفهم منه أنه عرقلة لمشروع تشكيل لجنة تحقيق برلمانية خاصة تحقق في قضية الإيداعات التي يفترض أن تحسم الأمر في جانب المسؤولية السياسية للحكومة السابقة في ما لو كان هناك مكان لقيام هذه المسؤولية لحكومة غير موجودة دستورياً، ويبقى آخر الأمر الشق الجزائي في تهم الرشوة- إن صحت مثل تلك التهم- والتي هي من اختصاص سلطة القضاء من غير جدال. ما يثير الشك في مرامي النائب صالح عاشور من هذا الاستجواب هو موقفه السابق في رفضه استجواب الشيخ ناصر المحمد في الموضوع ذاته، وها هو اليوم يقدم ما رفضه بالأمس بقوة، فما الجديد الذي طرأ الآن غير إصرار النائب عاشور على تأكيد براءته مسبقاً بعمل سياسي هو استجواب رئيس مجلس الوزراء، وقد يكون له أغراض أخرى لا ندري بها، ربما ستؤثر في سير التحقيق القضائي الذي يجرى الآن. فهل يريد النائب أن يصطاد عصفورين بحجر واحد! الله العالم، لكننا لا نملك غير افتراض حسن النية عند النائب في استجوابه، وإن كان مثل هذا الافتراض لا يقدم ولا يؤخر في مآل الأمور.
Ad