قبل شهرين تقريباً كتب المفكر فضل شلق في جريدة السفير مقالاً بعنوان "الإيراد الاجتماعي للنفط"، وتحدث عن فترة السبعينيات -بداية عصر الثروة بعد فوران أسعار النفط- وأذكر من مقاله هذه الفقرة "… في هذه الفترة قمع الفكر والجسد، أو اكتمل القمع، حتى صار كل من يقول كلمة غير مناسبة في كتاب أكاديمي في بلد نفطي أو غير نفطي، غير مرحب به إن لم يوضع في السجون، استعيض عن الفقر الروحي والكبت الجنسي بالاستهلاك الفاقع المفرط والسخيف. في هذه الفترة تم تدجين وتسخيف الوعي العربي، وجعل المذهب الواحد والحزب الواحد بإشراف المذهب الواحد (ولو من بعيد) الأقطار العربية سجناً للعرب، في هذه الفترة صارت رشوة الخصوم هي القاعدة، تم تدجين الجميع وإفساد النخب الثقافية والسياسية وفرض الانضباط على كل من تسول له نفسه الحديث عن مطالب الجماهير، وقضايا التحرر والعروبة...".

Ad

خطاب مثير لفضل شلق علق به جل الآفات السياسية والاجتماعية والثقافية على مشجب برميل النفط، البداية كانت منتصف السبعينيات من القرن الماضي، لكنها مستمرة إلى اليوم في دولنا، دولنا الخليجية التي حصَّنت نفسها من الربيع  العربي بالمال، مال النفط أصبح وسيلة لشراء الولاءات وإسكات المعارضة وتدجينها، مع تسطيح وعي الجماهير في قضايا الحريات والديمقراطية والتنمية.

وإذا كان نفطنا نعمة من ناحية البنية التحتية من مدارس وشوارع ومستشفيات... إلخ، فإنه أضحى نقمة في الفكر والأخلاق وقيم العمل. الرشوة في الكويت –ولا أتحدث عن "التبرطل" المليوني لبعض النواب-  تكاد تكون القاعدة، فلا تستطيع أن تنهي معاملة ما بغير دفع المعلوم، هذا إذا لم يكن لك واسطة، والثقافة والفنون انحدرا إلى الحضيض، أين مسرحيات الأمس، وأين صرنا اليوم، استعضنا عنها بقمامات المسلسلات الرمضانية وغير الرمضانية، وحين يقدم مخرج مبدع مثل سليمان البسام عملاً مسرحياً فنياً راقياً، نجده يبحث عن مكان خارج الدولة أو تحت ستار سرية مكان العرض كي لا تجز سيوف الجهل رقبة عمله الفني، ولكم أن تقيسوا.

وبدلاً من الكتب والدوريات القيمة التي كانت تعج بالمكتبات، صارت معارض الكتاب هنا تدور بين عوالم تفسير الأحلام  والسحر والجان وأصول الطبخ.

ثقافة الشباب اليوم مصدرها الوحيد الـ"آي فون" و"بلاك بيري"... لا شيء غير السخافة والاستهلاك الأعمى يهيمنان على الحياة الكويتية، ولا بهجة ولا فرحة تعلوان الوجوه بعد أن تمت إزاحتهما لتجثم مكانهما أتربة الملل والاكتئاب.

رشوة السلطة التشريعية وشراء مواقف بعض النواب ليسا بالأمر الغريب في محنة الدولة، وإنما الغريب ألا يحدث مثل ذلك في بلد "التسليع"، وحين يصير كل موقف وكل قضية مجرد سلع قابلة للبيع في "مولات" السياسة.

نسمع دائما كلمتي "الشق عود"، أي إن الهوة كبيرة ويصعب ردمها، فهل يعني هذا عجزنا عن الإصلاح؟! صارت الكتابات اليومية تعيد نفسها، صرنا نسرق ونجتر أفكارنا يومياً بعد أن نغير بالألفاظ فقط، فالضوء الأحمر يسطع، ومساحة "الممكن" للنشر محدودة بفضل قوانين النشر والجزاء ومصالح الملاك، وقبل كل ذلك محرمات المجتمع التي فصلتها مجاميع "المذهب الواحد".

الجميع أضحى رهن السلطة حين ترضى وتهب، وتعاقب وتزجر، حين تثور وتغضب، هي مالكة الأرزاق، وعليه فهي مالكة الأعناق. عليك أن تداهن وتمدح وتنافق حتى يرضى عنك وتحيا بصدقات بلدك، وأن تكون كثير الشكر لكل هذه النعم، وهي نعم النفط، وأنت سلعة تابعة لسلعة النفط.