مؤكد أن العالم العربي يعيش فترة منعطف تاريخية، ومؤكد أن هذه الفترة تحمل سماتها الواضحة، بدءاً بحراكها الشعبي السلمي الشبابي، وردود أنظمة الحكم الاستبدادية بعنفها الأعمى وفظائعها، مروراً بإصرار الانتفاضات الشعبية على الاستمرار في نضالها اليومي، عالي التكلفة، لحين تحقيق مطالبها، وانتهاءً بحمام الدم العربي النازف، الذي تصرّ أنظمة الحكم العربية الدكتاتورية الغاشمة على المضي به، معتقدة أنها تستطيع بذلك أن تذل وتسقط إرادة الشعوب، وأن تعبد طرقها عبر أنهار الدم الطاهرة التي تنزف على أرض الوطن الغالي.

Ad

إن فوز توكل عبدالسلام خالد كرمان، بجائزة نوبل للسلام لعام 2011 الى جانب كل من رئيسة ليبيريا "الين جونسون سيرليف" والمناضلة من أجل السلام الليبيرية "ليما غبويي"، ليس فوزاً وتكريماً للمرأة اليمنية والعربية، وليس فوزاً للانتفاضة السلمية اليمنية، بل هو فوز لجميع الانتفاضات العربية، وهو اعتراف عالمي يلفت الأنظار إلى الانتفاضات العربية الدائرة، متخيراً الوقوف إلى جانب حق الشعوب في نضالها السلمي المشروع، مديناً العنف والتنكيل والقتل الذي تمارسه السلطات القمعية العربية.

ولدت توكل كرمان في 7 فبراير عام 1979، في مديرية "شرعب" بمحافظة "تعز"، وتخرجت في جامعة العلوم والتكنولوجيا بصنعاء، بكالوريوس تجارة عام 1999، بتقدير جيد جداً، بعدها حصلت على الماجستير في العلوم السياسية، وحصلت على دبلوم عام تربية عام 2000 من جامعة صنعاء، إضافة إلى دبلوم كامبردج في اللغة الإنكليزية، وآخر في البرمجة اللغوية العصبية. وهي إحدى أبرز المدافعات عن حرية الصحافة وحقوق المرأة وحقوق الإنسان في اليمن، وعضوة مجلس شورى، اللجنة المركزية لحزب التجمع اليمني للإصلاح، الذي يمثل تيار الإخوان المسلمين في اليمن.

باكراً اختارت توكل كرمان لنفسها طريقاً شاقاً في وقوفها الصريح إلى جانب الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، وإدانتها كل أشكال العنف التي تمارس ضد المرأة والطفل، وكانت صريحة في موقفها الثوري المطالب بإسقاط الرئيس علي عبدالله صالح وحكومته.

إن منح جائزة نوبل للسلام لتوكل كرمان، لم يزد عن كونه سلط مزيداً من الضوء، العالمي والعربي، على اسم نسائي عربي مناضل، نذر عمره للدفاع عن الحياة الكريمة للإنسان، ورضي لنفسه موقعاً في قلب الحدث الجماهيري الدائر، وكان على الدوام مستعداً لدفع الثمن الباهظ لهذا الاختيار، حتى لو كان السجن والقهر، وربما الموت.

توكل، أم لثلاثة أبناء، وهي امرأة مسكونة بالنشاط الإنساني؛ أديبة وشاعرة وسينمائية، كتبت مئات المقالات الصحفية، في العديد من الصحف اليمنية والعربية والدولية، كان أهمها ما كتبته عام 2006، و2007، من دعوة مبكرة لاسقاط نظام صالح، ودعوتها له للخروج من السلطة. كما أنها أخرجت العديد من الأفلام الوثائقية حول حقوق الإنسان، منها فيلم "دعوة للحياة" حول ظاهرة الانتحار، وفيلم "المشاركة السياسية للمرأة في اليمن"، وفيلم "تهريب الأطفال".

توكل، قالت لقناة "العربية" بعد الإعلان عن فوزها بجائزة نوبل: "إن منحي هذه الجائزة يعتبر بمنزلة تكريم للمرأة اليمنية والعربية والمسلمة، وهذا اعتراف كبير وإنصاف عادل لدور المرأة العربية في الحراك السياسي، ودورها الفعال في الإصلاح وقيادة الشارع الشعبي في البلدان العربية نحو التغيير للأفضل. وأضافت توكل: "إن المراة أصبحت جزءاً لا يتجزأ من نسيج المجتمع العربي، سواء في دورها الاجتماعي أو السياسي".

إن المتمعن في كلمات توكل يدرك كم هي مسكونة بمكانة المرأة العربية، وضرورة أن تأخذ مكانتها التي تليق بها في المجتمعات العربية، خاصة بعد حضورها الواضح وتضحياتها في الانتفاضات العربية.

تحية ومباركة لتوكل على إصرارها ومضيها في الطريق الصعب، وعبرها تحية لكل النساء العربيات المسكونات بالعمل الإنساني الصعب.