شارع الهرم: سينما فاسدة في زمن الثورة

نشر في 09-09-2011
آخر تحديث 09-09-2011 | 00:02
 محمد بدر الدين يرى البعض أن «شارع الهرم» أهم الأفلام المصرية حالياً، لأنه حقق أعلى الإيرادات في مجموعة الأفلام الجديدة في موسم عيد الفطر وربما في أفلام 2011 لغاية اليوم.

بطبيعة الحال لتحقيق الإيرادات أهمية ودلالة تستحقان التوقف والتفسير، لكنها ليست دليلاً على قيمة فنية بالضرورة، وقد يرجع النجاح التجاري مع عدم توافر النجاح الفني إلى سبب اجتماعي، من خارج العملية الفنية، أو لقدرة أحد عناصر الفيلم على الجذب ولفت الانتباه.

وما قد نخشاه أن نموذج سينما التفاهة، التي يمثلها «شارع الهرم»، ربما تسير على منواله سلسلة أو «هوجة» سينمائية  جديدة، بسبب أرباحه والإقبال التجاري عليه، خصوصاً في مرحلة تستدعي جدية ويقظة لا مزيد عليهما، في أعقاب ثورة شعبية كبيرة بقيمة ثورة 25 يناير وحجمها.

صحيح أن «التوليفة» التي استقطبت إقبالاً في «شارع الهرم»، سبق أن جربها منتجه (السبكي)، لكن ما يدعو إلى القلق أنه أعاد إنتاجها بحذافيرها في أعقاب الثورة، التي ارتبك منتجو السينما المصرية وموزعوها عند قيامها، ولم يعرفوا كيف يتصرفون وفي ما يتصرفون وإلى من يتوجهون؟ ونرجو ألا يعتبروا «شارع الهرم» هو الإجابة الصحيحة!

تختصر «التوليفة السبكية» في الفيلم الطريق، وتأخذ المشاهد، الذي يعطي وقته للفيلم وماله لشباك دار العرض، إلى أحد كباريهات شارع الهرم، ولا يفعل الفيلم أكثر من ذلك، أي أنه لا يقدم معالجة درامية لموضوع ما، بأدوات فنية سينمائية وعناصر من تمثيل وتصوير وديكور... ليس هذا ما يهمّ، إنما يقدم، باختصار، أجواء الكباريه، أي فقرات مطوّلة من رقص شرقي وأغنيات خفيفة الإيقاع ومسفّة المعاني غالباً.

ويلجأ «شارع الهرم» إلى الراقصة دينا، لعلها أهم اسم في عالم الرقص الشرقي في مصر حالياً، وإلى المغني سعد الصغير المعروف بالغناء الشعبي، بالإضافة إلى  راقصات ومغنين آخرين، لضمان أرباح كبيرة، بل ويقدم للمرة الأولى ممثلة شابة موهوبة هي آيتن عامر في مهمّة الرقص الشرقي وفي فقرات مطوّلة، وضمن التوليفة يستخدم المنتج الممثلة مها أحمد في محاولة جلب الفكاهة، من خلال التندر  على ما تتسم به من سمنة... لكن الحوارات و»الإفيهات» مليئة بالابتذال.

ولا بد من حدوتة حبّ، وهي تدور في الفيلم  بين الراقصة «زيزي» (دينا)، والطبال حمص (سعد الصغير)، الذي يقف إلى جانب جارته، ويحاول مساعدتها لتنجح في الكباريه الذي يعمل فيه.

كذلك لا بد في «التوليفة» من «شرير الفيلم»، لكن «شارع الهرم» يقدم شريرين وليس واحداً وهما المحامي عادل (أحمد بدير) ورجل الأعمال ماهر (أحمد سلامة)، وبطبيعة الحال رجل الأعمال التقليدي هو مثال للفساد، ولا يقلّ المحامي فساداً أيضاً، وينطبق عليهما لقب «زير نساء»، فلا «شغلانة» لهما طوال الفيلم سوى محاولة اصطياد النساء العاملات في الكباريه والكباريهات المجاورة.

ويحاول الخير المتمثل في الفريسة مواجهة الشر المتمثل في الرجلين «الصيادين»! لكن هذا ليس الهدف، فالمقصود هو تقديم «مناسبات درامية»، إذا جاز التعبير، تدور فيها أحداث، ويبدو فيها حوار وتصوير أو ديكور لتقديم رقصات أو أغنيات حافلة بالابتذال... وفي النهاية  تنجح الخطة ويحدث الإقبال.

ومخرج الفيلم جديد هو «شورى»، لكن كما اعتدنا في أفلام السبكي، المخرج هو أداة طيّعة في يد المنتج، لا قدرة له على تصور أو خيال أو رأي أو إمكانات إلا تنفيذ التعليمات بدقة. والمؤلف هو أيضاً «أحدهم»، ويدعى سيد السبكي، لتقديم التوليفة من الألف إلى الياء بإحكام، ويضيع كل أثر أو ملمح لموهبة ممثل مخضرم قدير مثل لطفي لبيب  (في دور والد زيزي وأخواتها)، أو موهبة ممثلة شابة واعدة مثل آيتن عامر، فهما ينخرطان في التوليفة، بأضرارها وآثارها كافة.

يثير الإقبال على الفيلم وتفوقه حتى على أفلام تجارية استهلاكية أخرى (مثل فيلم محمد سعد الجديد) علامة تعجب، والأهم علامة استفهام! المهم أن نفهم لماذا الإقبال على فيلم بهذا الابتذال كله؟! وفي ظرف وطني ومجتمعي جاد، يدعو إلى التفكير والتأمل والإسهام في عمل لنقل البلاد من حال إلى حال.

back to top