فضيحة الإيداعات المليونية في حساب بعض النواب المعروفين بمواقفهم المؤيدة بشدة للحكومة والمساندة لها أثناء الاستجوابات، خصوصاً التي وجهت إلى سمو رئيس الحكومة ينطبق عليها المثل العربي الشهير "رب ضارة نافعة"... لماذا؟

Ad

لأن هذه الفضيحة أو الرشوة السياسية التي فاجأت الناس بضخامتها قد وحدت القوى السياسية والكتل البرلمانية والقوى الشبابية المنادية بالإصلاحات السياسية والديمقراطية (مع استثناء القوى السياسية والبرلمانية "الشيعية" المتحالفة مع الحكومة)، حيث توحدت كل المجاميع السياسية والشبابية على هدف واحد هو مكافحة الفساد السياسي ومحاسبة الراشي والمرتشي.

صحيح أننا لا نزال في بداية الطريق المؤدي للتوافق الوطني حول مطالب الإصلاح السياسي والديمقراطي الملح، لكن طريق الألف ميل يبدأ بخطوة، كما يقال، لهذا فإن المطلوب الآن من القوى السياسية الداعية إلى التغيير بوجه عام والقوى الوطنية والديمقراطية بوجه خاص أن تبلور وبشكل سريع مبادرة متكاملة للإصلاح السياسي والديمقراطي تحتوي على مطالب محددة وواقعية تلتزم بالدستور نصاً وروحاً لكي تسهل من عملية تعبئة الرأي العام وحشده للتوافق حول هذه المطالب من أجل تبنيها ورفع شعاراتها في التحركات الشعبية كافة، وفي كل اللقاءات والندوات العامة التي يفترض أن تقام في جميع المحافظات ولا تقتصر على محافظة واحدة بعينها.

طرح مبادرة سياسية متكاملة للإصلاح السياسي والديمقراطي والتفاف الناس حولها سيسهل من عملية الخروج من الدائرة المغلقة التي أنهكت الجميع، واستنزفت طاقات الشباب وأحبطت بعضهم بينما الفساد السياسي والإداري والمالي والأخلاقي يزداد كل يوم، وقوى التخلف السياسي يتعاظم نفوذها ودورها عاماً بعد آخر.

من حسن الحظ أن لدينا إطاراً عاماً وأسساً ثابتة يمكن الانطلاق منها لتجديد نظامنا الديمقراطي وتطويره، حيث إن الدستور قد حدد المبادئ العامة لنظام الحكم الديمقراطي بشكل واضح لا لبس فيه، لكنه للأسف الشديد لم يطبق، بل تم الالتفاف عليه وتجاوزه، كما أن هناك ظروفاً موضوعية مناسبة لكن العلّة تكمن في الظروف الذاتية المتعلقة بطبيعة قوى التغيير وتركيبتها، لذا فإن على القوى الديمقراطية والإصلاحية تنسيق الجهود السياسية والشعبية والانطلاق من الثوابت والأطر الدستورية للخروج من حالة الجمود السياسي التي يعانيها نظامنا الديمقراطي منذ فترة ليست بالقصيرة إلى الدرجة التي جعلت بعض شبابنا يفقد الثقة بالمؤسسات الدستورية القائمة مثل مجلس الأمة، بعد أن انتشر الفساد داخله وتحول إلى ما يشبه "الدائرة الحكومية".

من هذا المنطلق فإن من المفترض أن تستفيد قوى التغيير والتطور الديمقراطي الحقيقية من حالة الإجماع الشعبي والسياسي الحالي الرافض للفساد والداعي إلى التغيير، والذي تكوّن بعد فضيحة الإيداعات المليونية لبعض النواب، لكي يكون البداية أو الانطلاقة الحقيقية للتحرك الشعبي الجاد والمؤثر الذي يؤدي إلى الإصلاح السياسي الجذري والشامل؛ من أجل تجديد نظامنا الديمقراطي ككل، وحتى نتمكن من القضاء على الفساد السياسي وتحقيق التنمية المستدامة... فـ"رب ضارة نافعة".