تتسم أهمية كتاب الشاعر محمد بنيس «الشعر العربي الحديث، بنيته وإبدالاتها»، وهو في الأصل أطروحة لنيل درجة دكتوراه الدولة في الأدب العربي بقراءة معمقة للشعرية العربية. ففي القسم الأول من هذا العمل الذي يبدأ بـ»التقليدية»، تناول الباحث دراسة أربعة نصوص لأربعة شعراء. ثلاثة من المشرق هم محمود سامي البارودي، أحمد شوقي، محمد مهدي الجواهري، والرابع من المغرب هو الشاعر محمد بن إبراهيم المعروف بشاعر الحمراء. وبيّن الباحث في الجزء النظري الذي امتد على نحو 70 صفحة تقريباً منهجيته الاستراتيجية للدراسة وهي كما يصرح، ضبط الأطر النظرية للشعر العربي الحديث، مقترحاً في الوقت ذاته مفهوماً آخر لشعرية عربية مفتوحة من خلال تفكيك النص الشعري الحديث وإعادة بنائه على ضوء منهجيات وفرضيات جديدة. فيذهب إلى التفريق بين المركز والمحيط وهما مصطلحان يعودان كما هو معروف للمفكر الاقتصادي سمير أمين وبين النص الأثر والنص الصدى، فيلحق الأول بالمركز والثاني بالمحيط، دون باعث نظري لهذا التمييز رغم وجود الباعث التاريخي والمنهجي. ويخشى المرء أن يقع الباحث في هذه الثنائية التي يحاول هو نفسه هدمها وإعادة النص كعلامة دالة لطرح الأسئلة. إضافة إلى ذلك ينسى الباحث في مجرى إشارته عن الخلل الذي يمس البعد الجغرافي للشعر العربي الحديث في القراءة العربية السائدة، نقول ينسى ذكر عُمان وهي التي عرفت حضوراً كبيراً لمتن هذا الشعر في شبه الجزيرة العربية. ثم ألا تخفي دلالة مصطلحي المركز والمحيط قيمة معيارية؟
هناك وفرة من المعلومات والاستشهادات قديمة كانت أو حديثة ومساءلة بعض المفاهيم الشعرية والنقدية التي تدُوولَت، كمسلمات جاهزة، بغية النفاذ إلى ما هو منسي ومكبوت وغير مفكر فيه. إن النصوص التي تندرج في سياق «التقليدية» والتي وجدت نموذجها في الشعر العربي القديم ترتكز، كما يرى بنيس، على مبادئ ثلاثة هي: الصوت، وأسبقية المعنى، والرؤية المتعالية للغة. ويشمل القسم الثاني متن الرومانسية العربية كما تجلت ممارستها النصّية عند جبران خليل جبران والشابي وآخرين. هذا المتن الذي دخل في صراع مع التقليدية مستفيداً من تجارب الرومانسية الأوربية والأميركية. القسم الثالث يتعلق بتجربة الشعر العربي المعاصر بتعدده واختلاف فضائه، من حيث اللغة ورؤية العالم. أما القسم الأخير فيتركز على صياغة تصورات نظرية موسعة لمساءلة الحداثة. وبنيس في هذا الخصوص له أكثر من دراسة حول الشعرية العربية والمقاربات التي اجترحها لمحاورة الشعر العربي منها كتابه «حداثة السؤال»، وهذه المقاربات في ظني تتقاطع مع الطروحات النظرية التي أوجدها أدونيس في مختلف كتبه.تحت عنوان «نحو شعرية عربية مفتوحة» يؤكد الباحث أن «الشعرية العربية المفتوحة، ستكون بحثاً متجدداً، مغامرة تقف باستمرار على حدود الخطر ولن تكون إمساكاً بنظام ثابت ولا زمني يقدم نفسه خارج التصور النقدي للنظرية. لذلك فإنها ستعيد بناء ذاتها من خلال القراءة النصية وما تطرحه هذه النصوص القديمة والحديثة من مآزق نظرية هي وحدها الكفيلة باستبصار إمكانيات إعادة البناء».
توابل
سؤال الشعرية 1-2
04-08-2011