هذا العجوز "الجهودي" يزحف للثمانين ومازال محط إعجاب الكثيرين، أنيق وحاضر الذهن، أسلوبه راقٍ وظله خفيف، أثقلته الجلطات واعترضت طريقه، ولكنه لم ينحن لها، يعرف يوماً أنها ستأخذه إلى الآخرة، ولكنه تعامل معها بحرفية مهنية، فألف كتابين فقط عن أمراض القلب التي أصابته وكيف تعايش معها، هكذا يكون المحترف.  الآن وبعد خمسين عاماً من المقابلات والحوارات وأكثر من أربعين ألف مقابلة مع مشاهير العالم أصبح لا يبحث عن الضيوف، بل الكل يتواصل و"يترزز" عسى أن تدركه شفقة لاري كنغ ليقابله. استلم ذلك الميكرفون المميز منذ الستينيات واحتفظ به أمامه كتعويذة (ربما) وأجبر كل من يجلس أمامه على التحدث من خلاله. يقول عنه أحد الظرفاء بأن "سي إن إن" تدفع لهذا الرجل ما يعادل دخل شهرين لمدير تنفيذي ليقوم بطرح أسئلة لمدة ساعة فقط، بل إنها تدفع له أيضاً مقابل صمته عندما يبدأ الضيف بالإجابة. تعلم كنغ خلال مسيرته الكثير كما يذكر، حيث أضافت له "الوظيفة" غزارة وتنوعا في مخزونه الثقافي والمعلوماتي والسياسي والاجتماعي، أضف إلى ذلك قائمة تلفوناته.  ولدى "هالشايب" ثلاث نصائح يهديها لمن أراد أن يكون مقدماً لبرامج حوارية، وليس صحفيا في الأمس ومقدم برنامج حواري اليوم! فالأولى أن كنغ لا يقابل الضيف إلا ولديه من المعلومات ما يمكن أن يفوق ضيفه عن موضوع المقابلة، فيقول: أسأل أحياناً السؤال وأنا أعرف ما يجب أن تكون عليه الإجابة، وأستطيع أن أطيح بكثير من الضيوف من السؤال الثاني أو الثالث ربما، خصوصاً إذا كان الضيف قليل المصداقية، ويزيد على ذلك بقوله إنه من كثر ما يقرأ عن موضوع المقابلة يتقمص دور الضيف ويعيش داخل شخصيته، بحيث يصعب عليه مغادرتها بعد المقابلة. أما ما يميز لاري (الأميركي طبعاً) فهو أن ضيفه لا يلحظ عليه أي انتماء فكري ولا عقائدي أثناء المقابلة، ويشعر الضيف بالحميمية والتوازن وأنه جاء به للبحث عن إجابات وليس "للتشرشح"، فلا يمزح "ليرزح" أو يقوم بالتنكيل بماضي الضيف أو معتقده أو انتمائه ليخرجه عن دائرة العقل والمنطق. والأخيرة للداهية كنغ هي أنه ينصح بأن يظهر مقدم البرنامج بشكل "اللي ما يفهم" ويمثل دور الغبي، وبهذه الطريقة يفتح شهية الضيف للزيادة والشرح ليفهم "الغبي لاري كنغ". طبعاً لا ينسى أن تظاهر الغباء يختلف كثيراً عن اكتشاف أن المقدم غبي فعلاً.
Ad