إصلاح سياسي أم ردة دستورية

Ad

إذا كان البعض اعتبر ما تم من تعديل المادة (76) من دستوري مصر سنة 1971 إصلاحا سياسيا ودستوريا، لم يسبق له مثيل في كل الدساتير المصرية منذ أن انتقلت مصر من النظام الملكي إلى النظام الجمهوري منذ أكثر من نصف قرن، لأنه يفتح الباب لتداول السلطة في مصر، عندما أتاح تعدد المرشحين لرئاسة الجمهورية، بحيث يجري الاختيار من بينهم بطريق الاقتراع العام السري المباشر، بدلا من الاستفتاء على شخص واحد، يرشحه الحزب الوطني الحاكم، صاحب الأغلبية البرلمانية الساحقة في مجلسي الشعب والشورى، فقد اعتبرته ردة دستورية بسبب العوار الذي شابه، وأوقعه في حومة مخالفة المبادئ والأصول الدستورية العامة، في مقال لي نشرته في مصر صحيفة الوفد في عددها الصادر في 22 مايو 2005.

الانحراف بالسلطة

يقول المرحوم الفقيه الكبير الدكتور عبدالرزاق السنهوري في مقاله له بعنوان "مخالفة التشريع للدستور والانحراف في استعمال السلطة التشريعية" (منشور بمجلة مجلس الدولة عام 1952 ص1 وما بعدها): إن الواجب هو أن نفترض في الهيئة التشريعية أنها لا تصدر في تشريعاتها إلا عن المصلحة العامة، لاسيما أنها مشكلة من عدد كبير من الأعضاء يصعب تواطؤهم على الباطل، وهي هيئة تنوب عن الأمة فيفترض فيها التنكب عن الأغراض الذاتية.

التواطؤ على الباطل في البرلمان السوري

ولكن هذه الحقيقة التي كشف عنها الفقيه الكبير، وهي أنه يصعب على المجالس التشريعية بحكم تكوينها من عدد كبير من الأعضاء التواطؤ على الباطل، لم تعد حقيقة مطلقة أو يصعب تصورها في بلادنا، وقد أقر مجلس الشعب السوري في سنة 2000 تعديلا للمادة (83) من دستور الدولة التي تنص على أنه يشترط في المرشح للرئاسة أن يكون متما الأربعين عاما من عمره، فعدل مجلس الشعب السوري هذا المادة ليصبح شرط السن 34، لتوريث الحكم لبشار الأسد عقب وفاة الرئيس حافظ الأسد.

عيد ميلاد سعيد موسيفيني

وإذا كان الدستور السوري قد عدل في عشر دقائق، لتصبح سن الدكتور بشار الأسد هي السن الدستورية التي لا يجوز انتخاب من يقل عنه لرئاسة سورية، فقد تفتق ذهن رئيس أوغندا موسيفيني بدلا عناء تعديل الدستور عن تعديل تاريخ ميلاده، حتى يستطيع ترشيح نفسه لولاية جديدة، حيث الحد الأقصى لسن الرئيس 75 سنة، فغير الحقيقة في تاريخ ميلاده، ليصبح 67 سنة بدلا من 73 سنة.

فقام نشطاء من المعارضة الأوغندية بإحياء عيد ميلاده، وهم يحملون كعكة عليها تاريخ ميلاده الحقيقي وأخذوا يغنون في الشوارع "عيد ميلاد سعيد موسيفيني"، فقامت قوات مكافحة الشغب بتفريقهم واعتقال ثلاثة منهم بعد مصادرة كعكة عيد الميلاد.

الانحراف بالتعديل الدستوري قبل الثورة

وإذا كانت كل التعديلات على دستور 1971 قد اتسمت بالانحراف عن التحول الديمقراطي والإصلاح السياسي، سواء في تعديل المادة (76) عام 1980، التي كانت تنص على التجديد لرئيس الجهورية لمدة مماثلة (أي لمدة واحدة) فعدلت كلمة "مدة" إلى "مدد"، ليبقى الرئيس الراحل أنور السادات على سدة الرئاسة مدى الحياة، أو في تعديل هذه المادة عام 2005، والذي انحرف عن الغاية منه وهو الإصلاح السياسي الممثل في تداول السلطة، بانتخاب رئيس الجمهورية من بين أشخاص متعددين بدلا من الاستفتاء على شخص واحد، وهو الهدف الذي كانت أحزاب المعارضة تطالب به، فدفع الشعب ثمنا باهظا له هو إلغاء الإشراف القضائي على انتخابات الرئاسة التي تمت في عام 2005 بعد هذا التعديل، من خلال تشكيل لجنة عليا لانتخابات الرئاسة، ثم إلغاء الإشراف القضائي على الانتخابات البرلمانية مع تعديل هذه المادة وغيرها من مواد في عام 2007، وتشكيل لجنة للإشراف على الانتخابات البرلمانية.

وكان العوار الدستوري في تعديل هذه المادة سواء سنة 2005 أو سنة 2007 يخفي في طياته انحرافا في التشريع، لخدمة أغراض النظام في بقاء الرئيس السابق في سدة الحكم مدى الحياة، أو على الأقل حتى يتسنى  لهذا النظام أن يسوق جمال مبارك نجل الرئيس والذي أصبح أمينا عاما للجنة السياسات بالحزب الوطني الحاكم، والذي استطاع أن يطيح  بالحرس القديم ويحيط نفسه بحرس جديد يتفق والتزاوج بين السلطة ورأس المال.

الانحراف بالتعديل الدستوري بعد الثورة

وقد استبشرنا خيرا باللجنة التي شكلها المجلس الأعلى للقوات المسلحة برئاسة القاضي الجليل نائب رئيس مجلس الدولة السابق والمفكر الإسلامي الكبير المستشار طارق البشري، بأن عملها سوف يكون مبرأ من أي انحراف عن أهداف ثورة الخامس والعشرين من يناير.

إلا أن اللجنة اقتصرت على تعديل عدد محدود من مواد الدستور وهي المواد 75 و76 و77 و88 و93 و136 و148 و179 و189 والتي تلبي مطالب الثورة.

ولم تتطرق بالتعديل إلى نصوص دستورية أخرى نبهنا اللجنة إلى ضرورة تعديلها، في مقال نشرناه في صحيفة الأخبار المصرية يوم 22 فبراير سنة 2011، قبل انتهاء اللجنة من مهمتها في هذه التعديلات.

وبدلا من تعديلها فإن اللجنة قامت بتعديل المادة (75) من الدستور، في ما تتطلبه من شروط لانتخاب رئيس الجمهورية، إضافة شرط جديد وهو ألا يكون الرئيس متزوجا من غير مصرية.

وقد عرف الجميع أن هذا الشرط مقصود به إقصاء العالم الكبير د.أحمد زويل عن الترشيح لرئاسة الجمهورية، لكونه متزوجا من سورية، وهو ما انطوى على تناقض مع المادة الأولى من الدستور الذي ينص في مادته الأولى على أن "الشعب المصري جزء من الأمة العربية يعمل على تحقيق وحدتها الشاملة".

وهو ما سنتناوله في مقال قادم بإذن الله.