ثورات ناعمة... ودكتاتوريات خشنة!
![تركي الدخيل](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1491377907467332200/1491377907000/1280x960.jpg)
مصطلح «القوة الناعمة» امتازت به ثورتا تونس ومصر، حيث لم يشهدا المزيد من الخسائر، على عكس الدماء التي سالت في ليبيا أو في اليمن أو في سورية، والكتاب صدر ليناقش ما جرى في تونس ومصر حصراً، لهذا يمكن اعتبار الثورة الناعمة قد انتهت بثورة مصر، وبدأت بعد ذلك الثورات الخشنة وبقوة، غير أن علي حرب في كتابه يؤكد أن الثورة في مصر وتونس نجحت بأقصى سرعة، وبأقل الخسائر في الأرواح والأرزاق، في تحقيق الحد الأدنى من أهدافها: سقوط النظام السياسي. الحد الأدنى، لأن ما يُنتظر من الثورة هو أن تغيِّر النظام الفكري بعدّته وعاداته وآلياته، كما رأى أن ما يشهده العالم العربي هو انتفاضات متعددة الأبعاد. إنها انتفاضات مدنية وسياسية واقتصادية، بقدْر ما هي تقنية وعقلية وخلقية، وهي إلى ذلك عالمية بقدر ما هي عربية. إنها ثورات فكرية تجسّد نموذجاً جديداً تتغير معه علاقة الإنسان بمفردات وجوده، بالزمان والمكان والإمكان، كما بالواقع والعالم والآخر، فهي أتت من فتح كوني جسّدته ثورة الأرقام والمعلومات التي خلقت أمام الأجيال العربية الجديدة إمكانات هائلة للتفكير والعمل على تغيير الواقع، بتفكيك الأنظمة الدكتاتورية وخلخلة المنظومات الأصولية.وإذا كان السؤال الأساسي الذي يتبادر إلى كثيرٍ من الأذهان يتعلق بسؤال حول المآلات السياسية التي يمكن أن تثمر عنها هذه الثورات، يخلص الكتاب إلى أن هذه الثورات ستُفضي إلى تشكيل عالم مختلف تتغير معه برامج العقول وخرائط المعرفة وقواعد المداولة، وتتغيّر اللغات والعقليات والحساسيات، بقدر ما تتغيّر طرق إدارة الأشياء وممارسة السلطات وسَوس الهويات.الأحداث الجارية حالياً لا تحتاج فقط إلى كثير كلام سريع، أو إلى صيغ إنشائية مكررة، بل تحتاج أيضاً إلى دراسات مركزة تكون فيها الثورات بكل ما تحمله من تعقيدات سياسية، ومن علاقات اجتماعية، ومن آثار اقتصادية مكاناً لاختبارات الباحثين وتأملاتهم، وأحسب أن كاتباً مثل علي حرب، بأسلوبه المميز، وبآرائه الخارجة عن المألوف، قارب آلية ممتازة لتحليل الثورات التي تمّت بأقل الخسائر وبأقصى ما يمكن من السلم، من خلال أذرعة المتظاهرين المسالمة، والصدور العارية، والقوة الناعمة.