تجتاح الصومال ومناطق أخرى في القرن الإفريقي كإثيوبيا وكينيا وجيبوتي أسوأ موجة جفاف مرت على المنطقة منذ 60 عاماً، ويتضرر من هذه الحالة المأساوية قرابة عشرة ملايين إنسان.

Ad

بالطبع هذه ليست المرة الأولى لكنها الأسوأ. يترتب على نقص الموارد والجوع وموت الماشية وتيبس المحاصيل ان ينزح مئات الآلاف الى الدول المجاورة ككينيا وإثيوبيا أو إلى المدن كمقاديشو التي تعاني هي ذاتها مشاكل متعددة، ففي الوسط والجنوب هناك حرب مشتعلة بين «حركة الشباب» والحكومة.

 والمؤسف أن من يترأس الحكومة هو شيخ شريف شيخ أحمد الذي قاد كرئيس للمحاكم الإسلامية تمرداً مسلحاً ضد الرئيس السابق عبدالله يوسف، الذي اضطر في النهاية إلى التنحي عن الرئاسة وتسليمها لشيخ شريف، إلا أن ذلك لم يكن مرضياً لحركة الشباب التي قررت الاستمرار في القتال وهي تسيطر على أجزاء كبيرة من وسط وجنوب الصومال.

وقد عايشت هذه الأوضاع قرابة تسع سنوات، تباحثت فيها مع أمراء الحرب سابقا، والتيارات المقاتلة، كما تعايشت مع الأوضاع المستقرة في صومالي لاند وبونت لاند، كنت حينها مسؤولا عن الملف الصومالي ممثلا للأمين العام للأمم المتحدة، كنا بمواجهة الحروب والمعارك المستمرة الشخصية والقبلية والجفاف، وتسونامي، ومعسكرات اللاجئين والنازحين المستمرة دون توقف. بالطبع هناك دائما إشكالية صومالية إلا أن الإشكالية الأكبر تتمثل في المجتمع الدولي ودول الجوار التي كان لها، مجتمعة، ادوار سلبية دفعت إلى عدم الاستقرار واستمرار الدمار.

ولعل زيارة معسكرات اللاجئين والنازحين داخل الصومال وخارجها تعطينا فكرة عن طبيعة المأساة التي لا يمكن وصفها.

فعلى سبيل المثال لا الحصر فإن مجمع معسكرات اللاجئين الذي يطلق عليه «داداب» كان قد أنشئ في منتصف التسعينيات على الحدود الصومالية الكينية داخل الأراضي الكينية بهدف استيعاب 95 ألف شخص لكنه اليوم، يستوعب، أو لا يستوعب لا فرق، قرابة نصف مليون شخص، والمؤسف انه يتوافد عليه منذ شهرين تقريباً حوالي 1300 شخص يومياً، ولك أن تتخيل الحالة المزرية التي يعيشها البشر في تلك الوضعية، لا مأوى، ولا مأكل، ولا مشرب، يفترشون الأرض ويلتحفون السماء. الأوضاع داخل الصومال بالطبع اسوأ بكثير خاصة في محيط مقاديشو. يأتي ذلك في ظروف غريبة كانت حركة الشباب قد منعت فيها المنظمات الدولية من دخول مناطقها لكنها اضطرت أخيرا إلى دعوتها إلى العودة ومساعدة الناس.

خلال فترة تكليفي بالملف الصومالي، كنت أزور تلك المعسكرات بشكل دائم، وعندما كنت أغادرها تتقافز الأسئلة في رأسي، هل نعيش نحن وهم على نفس الكوكب؟ قدمت خلال فترة عملي التطوعي الكثير من المقترحات إلى المجتمع الدولي لحل تلك الكارثة الإنسانية لكن دون جدوى، فقد أسمعت لو ناديت حياً ولكن لا حياة لمن تنادي. فالحالة المأساوية بالصومال تحتاج إلى حلول طويلة الأمد وليس حلولاً ترقيعية فقط، وهي الحلول التي تتكرر بذات الأسلوب الترقيعي، فلا عزاء للجياع في المحافل الدولية ولا حولة ولا قوة إلا بالله.