إن الحزن ملاذ ضروري يجب أن يلوذ به الإنسان ليسترد عافيته النفسية فيغسل قلبه من الهم بين وقت وآخر، لكن التوجيه هنا هو ألا تطغى هذه الفترة على حياة الإنسان، فتتجاوز قدرها المعقول، فتعيقه عن العودة إلى الحياة بروح وثّابة مقبلة على أنعم الله ترجو ما عنده من خير في الدارين.

Ad

يعرف أغلب متابعيّ، سواء هنا في "الجريدة" إلى حد ما، أو في مدونتي وكذلك في شبكات التواصل الاجتماعي، أني كثير التذكير بأهمية التفاؤل والإيجابية والانشراح، في كل الحالات والظروف، حتى صار البعض يعتقد أني إنسان لا يعرف الحزن إليه طريقا، وصاروا يحسدونني على ذلك، والحقيقة أن هذا ليس بصحيح أبدا، فلست سوى إنسان له حالاته النفسية وأطواره المختلفة، كبقية خلق الله.

ولست هنا بصدد التحدث عن نفسي، إنما هو مجرد مثال استندت إليه للانطلاق نحو حديثي الآتي.

الإيجابية والتفاؤل والانشراح كنتيجة لهما، وقبل أن تكون حالات نفسية، فهي قرارات عقلية إرادية، والمراد هنا، أن على من يريد أن يكون إيجابيا، أن يقرر ذلك ويرغب فيه حقا، وأن يسعى إليه سعيا.

الإنسان، وبطبيعة الحال، لا يمكن أن يكون قادرا على التحكم بكل الظروف المحيطة به، لكنه يستطيع التحكم وبشكل كامل بردود أفعاله وتصرفاته تجاه هذه الظروف.

خسارة إنسان لوظيفته، مثلا، قد تودي بأحدهم إلى الانهيار النفسي، وقد تكون سببا في انطلاق آخر للبحث عن فرصة أخرى لعلها تكون خيرا له من سابقتها، وهذا مجرد مثال وحيد، والأمثلة على المراد هنا كثيرة.

لهذا، فإن ما أفعله كل صباح، وبغض النظر عن كل الظروف التي قد أكون أمر بها، على أي مستوى، هو أني أقرر أن أكون إيجابيا ومتفائلا بأن القادم أجمل، وبأن الله يخبئ لي الأفضل، وأن حرماني من هذا الشيء أو ذاك ما هو إلا ابتلاء ومحنة تحمل في طياتها الخير، إما في القريب العاجل وإما البعيد الآجل المخبأ في غيب الله وتقديره، سواء في الدنيا أو الآخرة.

وأعترف هنا، بأني لست بسوبرمان، فأحيانا أنجح بالسيطرة على مشاعري وانفعالاتي، وأحيانا تخذلني طبيعتي البشرية، فأركن إلى الحزن والانطواء وألوذ بكهف الانعزال لشيء من الوقت، حتى أسترد عافيتي النفسية.

وهنا سأطرق ما كتبت لأجله اليوم، وهو ما ناقشني به كثير من الزملاء لمرات عديدة، فالحزن حالة ضرورية، وصولا إلى حد البكاء ربما في بعض الحالات، فليس إنسانا من لا تؤثر به الملمات الدنيوية، وليس إنسانا من لا يخشع قلبه ولا تذل نفسه عند الجراحات وحين المصيبات، بل على العكس من ذلك، الحزن حالة ضرورية، يجب أن يمر بها المرء، ولا يتجاهلها ويتكبر عليها، ظنا منه أن هذا من قوة الشكيمة، وثبات القلب ومن الصبر على الأذى والمكاره، بل إن الحزن ملاذ ضروري يجب أن يلوذ به الإنسان ليسترد عافيته النفسية فيغسل قلبه من الهم بين وقت وآخر.

لكن التوجيه هنا هو ألا تطغى هذه الفترة على حياة الإنسان، فتتجاوز قدرها المعقول، فتعيقه عن العودة إلى الحياة بروح وثّابة مقبلة على أنعم الله ترجو ما عنده من خير في الدارين.

إنه التوازن الشعوري يا سادتي، فقاعدة "لا إفراط ولا تفريط" النبوية الشهيرة، هي قاعدة صالحة لكثير من الأمور، ومنها على وجه الخصوص، أمور ومسائل الشعور والانفعالات.