الشماغ... بدعة سومرية انتشرت في أنحاء العراق
الأسود الغامق لأهل بغداد... والفاتح لعشائر الوسط والأحمر لقبائل الغرب والصابئة... والأخضر للكرد
لغطاء الرأس في العراق دلالات كثيرة، لكنها تؤكد في نهاية المطاف أن استخدامه يعطي الوجاهة والهيبة، وقد ازدهرتْ صناعة النسيج خلال العهد السومري واستُخدمت فيها خيوط الصوف والكتان، وكان الكهنة خلال فصل الربيع يرتدون الملابس البيضاء، وبعضهم يضع على رأسه قطعة من القماش الأبيض، ويضع فوقها شبكة سوداء مصنوعة من صوف الأغنام كشبكة صيد السمك، لترمز إلى موسم الخير والتكاثر. ومع مرور الزمن صار غطاء رأس الكهنة هذا ملاصقاً الشماغ أو كما ينطق باللهجة العراقية «اليشماغ» حتى يومنا هذا، ويبدو أن ما أضاف إليها نساجو ذلك الزمان من خطوط وزعانف الأسماك وأصدافه تؤكد ما له علاقة وارتباط بطرد الأرواح الشريرة من لابسيها، خاصة أن شكل الأسماك كان أحد المعتقدات الراسخة في هذا الجانب الأسطوري منذ عهد السومريين في العراق.وهكذا انتقل لبس اليشماغ تدريجياً من لباس النخبة الحاكمة والمقدسة إلى اللباس الشعبي الأكثر رواجاً في أرض الرافدين وما حولها، والذي روج لهذا النوع من لباس الرأس هو الحاج موسى كرادة من بيت الحاج عوض الجابري الخزرجي، من مواليد محلة الصدرية في رصافة بغداد. وإذا ألقينا نظرة فاحصة على بعض قواميس اللغة المسمارية وجدنا أن أصل كلمة يشماغ مكونة من مقطعين في اللغة السومرية من (آش ماخ) وتعني غطاء رأس عظيم أو (آش ساخ) أي غطاء الكاهن العظيم. وتؤكد كتب التاريخ أن الأتراك أخذوا الاسم السومري العراقي القديم ونقلوه إلى لغتهم، ليطلقوا عليه اسم (ياشمق). وعموماً فإن اليشماغ الحالي هو امتداد لليشماغ السومري إذ صار قطعة واحدة، ومازالت شبكة الصياد وخطوط وأهداف الأسماك تزينه (لتطرد الأفكار الشريرة عن لابسيه)، وتعددت أوضاعه على الرأس منهم من لبس فوقه العقال، وخاصة في منطقة الفرات الأوسط والمنطقة الجنوبية، ومنهم من لفّه على الرأس بأشكال مختلفة، وخاصة في بغداد ومحيطها، ويطلق عليها اسم "جراوية" نسبة إلى رجل اسمه جرو العبد، وهو من محلة الحيدرخانة وتسمى أيضاً "العصفورية" نسبة إلى قدوري ابن عصفور من محلة الفضل وسط بغداد.بعدها استهوى العشائر العراقية لباس اليشماغ لأنه أكثر هيبة ووقاراً من أي غطاء آخر للرأس، وأول من ارتدى اليشماغ هم سكان بغداد الأصليون ففضلوا اليشماغ ذا اللون الأسود الفاتح بعدها أخذت تستخدم عشائر الفرات الأوسط ذا اللون الأسود الغامق، فأصبح اللون الأسود الغامق والفاتح من صفات لباس عشائر الجنوب وبعضها من عشائر الوسط.أما عشائر المنطقة الغربية والبدو والرحل وقسم من طائفة الصابئة فقد ارتدوا اليشماغ ذا اللون الأحمر بنفس النقوش، أما اللون الأزرق المائل إلى اللون الأسود فقد امتازت به عشائر العراق الشمالية، وخاصة العشائر الكردية.ومن ألبسة الرأس العراقية الأخرى العمامة، والكشيدة والسدارة، فالعمامة منها البيضاء اللون وهي خاصة بالعلماء والشبان المتدينين الذين يدرسون العلم والفقه، أما العمامة الخضراء فإنها تكون للسيد، وهناك العمامة المصنوعة من الحرير المقصب وتسمى بالكشيدة ويلبسها التجار والوجهاء، وجميع أشكال هذه العمائم تلف فوق "الفينة" يعني الطربوش نسبة إلى مدينة فينا عاصمة النمسا لأنها تصنع هناك.أما السدارة المصنوعة من النسيج القطني أو الصوفي فلبسها العراقيون فترات طويلة، وتسمى كذلك بـ"الفيصلية" نسبة إلى الملك فيصل الأول فهو أول من لبسها.