بلاط الشاه... وآخرون!
انتهيت قبل أيام من قراءة كتاب جميل لعالم الاجتماع الإيراني إحسان نراغي عنوانه "من بلاط الشاه إلى سجون الثورة"، يروي خلاله ما حدث في الفترة ما بين نهاية حكم الشاه وبداية الحكم الديني في إيران.الكتاب من جزأين: الأول عبارة عن سلسلة اللقاءات التي دارت بين الكاتب والشاه، وتتمحور حول الأحداث الجارية آنذاك، والتي كانت تزداد سوءا يوما بعد يوم، حيث الغليان والغضب الشعبي قد بلغ أشده وتحول إلى عصيان مدني تام، كان الشاه يسأل "إحسان نراغي" عن أفضل الحلول لمواجهة المأزق السياسي الذي كان يمر به، والذي جاء نتاج فساد بلغ أوجه في الأعوام الأخيرة، ودمر كل ما بناه الشاه خلال عقود لجعل إيران دولة قوية اقتصاديا وعسكريا وذات ثقل في المنطقة، أما الجزء الثاني فيتحدث فيه عن فترة السجن التي قضاها بعد انهيار حكم الشاه.
كان الشاه في كل لقاء له مع "نراغي" يعبر عن استيائه من تصرفات الشباب ومن موقف الشعب الإيراني بمجمله، وكيف أنهم انجرفوا دون وعي وراء "الملالي" الساعين إلى القضاء على النظام الملكي والاستيلاء على الحكم، وتناسوا -الإيرانيين- كل ما قدمه لهم طوال فترة حكمه، بالمقابل كان "نراغي" يحاول جاهدا أن يوضح للشاه "بطريقة لبقة" أن ما قدمه "جلالته" لا يهم الفقراء والمحرومين- وهم أغلبية الشعب- في شيء، فخيرات البلد لا يتمتع بها سوى فئة قليلة منهم، لذلك، لا تعبأ الجماهير الغاضبة بمنجزات جلالته بالمرة، كما أن سلوكيات وتصرفات و"لصوصية" أفراد العائلة المالكة والمحيطين بها من متنفذين وواصلين ومطبلين، كانت في الواقع هي المحرض الرئيس ضد حكمه والورقة التي استخدمها أعداؤه بشكل جيد، واستغلوها لزيادة الحنق والغضب الشعبي ضد نظامه، إضافة إلى ما كان يتبعه جهاز "السافاك" سيئ الذكر من اعتقال وتعذيب للناشطين السياسيين بطريقة سافرة، يضاف إلى كل هذا الأداء الفاشل لحكوماته المتتابعة وتحويله البرلمان إلى لعبة بيده يحركها كيفما ووقتما شاء. أما أكثر ما كان يثير غضب واستياء الشعب حسب رأي "نراغي" والذي أبلغه للشاه في كل لقاءاته تقريبا، فهو نمط حياة العائلة المالكة وبالذات شقيقة الشاه الأميرة "شرف" والتي كانت تتمتع بشخصية قوية وذمة "واسعة"، وقد نبه الكاتب مرات عدة الشاه من أن أعداءه لا يدخرون جهدا في متابعة تصرفات أفراد العائلة المالكة والبذخ الذي يعيشون فيه لتضخيمه وتهويله بشكل يزيد من كم الكراهية والحقد ضد نظامه، ويسرع في قيام ثورة يسيل لها لعاب أطراف عدة في مقدمتهم الشيوعيون ورجال الدين الساعون إلى إنشاء نظام "جمهوري إسلامي" بعد طول انتظار.وكان من الواضح من ردود الشاه على نراغي في لقائه الأخير أنه يدرك أن النهاية قد اقتربت، وذلك بعد أن تخلى الجميع عنه؛ خاصة المتنفعين والمستفيدين من فساد حكمه، حيث رحل معظمهم إلى أوروبا وأميركا حاملين معهم ثروات الشعب التي جنوها دون وجه حق، فكان الشاه يجهز نفسه للرحيل هو الآخر ناجيا بحياته، بعد أن وجد نفسه وحيدا يواجه الغضب الشعبي العارم يكاد يفتك به وبأسرته.الغريب، أنني وجدت تشابها إن لم يكن تطابقا بين أنظمة الحكم العربية التي انهارت هذا العام وحكم الشاه، يبدو أن نهاية الطريق واحدة، طريق الفساد واللصوصية والظلم والقهر وانهيار القيم والمبادئ، في حكم الشاه وفي الحكم التونسي والمصري والليبي تحول الدكتاتور بمرور الوقت إلى "مفرخة" تنتج دكتاتوريين صغارا لا عدد لهم، والمقربون دائما أولى بالمليارات التي تتحول كل ليلة إلى "نقوط" ينثر فوق رؤوس الراقصين على آلام شعوبهم، والرئيس أو الزعيم أو الإمبراطور آخر من يعلم، أو ربما أول من يعلم و"يطنش بمزاجه"، هذا "التطنيش" هو بداية النهاية، وهو الشرارة التي تشعل نيران الثورة، فهل يدرك الباقون على قيد عروشهم العربية الفاسدة هذا، ويصلحون ما يمكن إصلاحه أم أن نظرية "أنا غير" لا تزال تسيطر عليهم؟!