انتخابات نزيهة!
في ظل هذه الأجواء تأتي الحكومة ووزارة الداخلية تحديداً لتزيد الطين بلّة عبر سلسلة من المواقف والقرارات التي من شأنها سكب الزيت على النار، إما بنوايا متعمدة وإما بسبب إجراءات تفتقد إلى الحكمة والدراية.
حكومة الشيخ جابر المبارك الجديدة القديمة يفترض أن تكون مسؤوليتها شبه الوحيدة هي الإشراف على الانتخابات، إضافة إلى تصريف العاجل من الأمور، ونزاهة الانتخابات قبل كل شيء هي في مصلحة رئيس مجلس الوزراء؛ كون المجلس القادم هو الشريك الدستوري الوحيد لحكومته القادمة؛ لأنها السلطة التشريعية الجديدة التي سيتعامل معها مباشرة في إدارة شؤون البلد وفق نتائج صناديق الاقتراع في سياق عهد جديد يترقبه الجميع أمام مشهد سياسي حساس ومفصلي.وأجواء الانتخابات الحالية في حد ذاتها تحمل في طياتها حالة الاحتقان التي سادت البلد في الآونة الأخيرة، ويبدو أن مؤشراتها الأولية تدل على احتمال بقاء تركيبة متشابهة في البرلمان القادم كما كان عليه الوضع في مجلس 2009 مع ترجيح لكفة النواب المعارضين للحكومة السابقة، فلغة الخطاب الانتخابي للمرشحين التقليديين والجدد لا تختلف عن لغة المجلس السابق، ولهذه اللغة مادتها الخاصة بها وجمهورها المشحون أساساً من مختلف الأطراف. وفي ظل هذه الأجواء تأتي الحكومة ووزارة الداخلية تحديداً لتزيد الطين بلّة عبر سلسلة من المواقف والقرارات التي من شأنها سكب الزيت على النار، إما بنوايا متعمدة وإما بسبب إجراءات تفتقد إلى الحكمة والدراية، حيث استهل الضعف الحكومي بالوقوف السلبي أمام إجراء الانتخابات الفرعية، وهي تدرك يقيناً ردة فعل مجاميع شعبية واسعة من هذه الانتخابات، ناهيك عن حسم تجريم الفرعيات بحكم المحكمة الدستورية، الأمر الذي عمّق حالة الاحتقان الشعبية بين المناطق.ثم جاءت الأخبار والمعلومات عن ظاهرة شراء الأصوات ودخول المال السياسي بأشكاله المختلفة في العملية الانتخابية، ووثّقتها الجهات الرقيبة التي استعانت بها وزارة الداخلية نفسها، ومع ذلك لاتزال الأجهزة الأمنية تقف متفرجة أمام مسمار آخر يدق الجسد الممزق والمتوتر؛ ليعمق أكثر وأكثر طبيعة الاصطفاف الفئوي في مناطق انتخابية أخرى.أما قرارات شطب المرشحين فهي اختبار آخر فشلت الحكومة في اجتيازه، وقد يؤدي إلى تصعيد سياسي لا يحمد عقباه، فوزارة الداخلية أساساً لا يمكن أن تكون خصماً ضد أي مرشح ليس انطلاقاً من مبدأ الفصل بين السلطات فحسب، بل بسبب ترددها ثم دخولها على خط الشد والجذب سياسياً؛ لكون قراراتها اجتهادات وسهلة النقد والتفسير والتأويل.وما تأخر اللجنة الوزارية في شطب 14 مرشحاً، ومن بعد ذلك شطب النائب السابق فيصل المسلم، إلا دليل على محاولة لإرضاء الخصوم المختلفين، وإذا بها توحد الجميع ضدها بعدما أججت كل طرف على الطرف الآخر لفترة، وساهمت في إذكاء الشحن المتبادل بينهما.أما ميدانياً فقد تركت "الداخلية" أولوية التفرغ للانتخابات وإدارة شؤونها رغم حساسية الأوضاع العامة، وفتحت جبهة مع "البدون" بدأت تنعطف إلى هاوية إسالة الدماء، وكأنها تحاول أن تعوض كل هذا الفشل في شريحة ضعيفة يتصدرها الأطفال والنساء بالورود، لذا نقول للأخ الفاضل وزير الداخلية بأن هذا التعسف لن يجدي، ولا بديل عن الحلول القانونية السلمية لحل مشاكل "البدون"، وأن التفرغ للانتخابات أو ما بقي منها أبرك!