آمال: عينك على جارتنا
![محمد الوشيحي](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1579110147954926500/1579110167000/1280x960.jpg)
وكنا ندرس في القاهرة، وكانت ليلة "مغبرة من أولها"، عندما تعرضت بنات أسرة كويتية لمعاكسات من بعض الشبان الصيّع، فتدخل الطلبة الكويتيون فزعة لهن، ودارت بيننا وبين الصيع حرب ولا حرب البسوس، استخدمت فيها الأسلحة البيضاء، من قبضات يد وشلاليت وأحذية وأحزمة وكل ما أنتجته مصانع الجلود، وأدرك الجميع يومها الفرق بين "الصناعة الإيطالية" و"صناعة كرداسة". وكانت الحرب تدور على أساس "اضرب واشتم"، ضربة وشتمة والرزق على الله، وشاهدت بأم عيني اليسرى أحد الشبان الكويتيين يتعرض "للفغص" على يد أحد ثقال الأوزان المصريين، وكان الأخ الثقيل يشخر وكأنه نائم، ولا صوت يعلو فوق صوت شخيره.وبعد برهة من الكر والفر والضرب والشتم والشخير، تدخلت الشرطة، وأنقذت صاحبنا المفغوص، وأنقذتنا من مخالب "يأجوج ومأجوج" الذين تكالبوا علينا لا أعلم من أين، وبدأ التحقيق، ومع أول جملة قالها أحد الشبان الصيع فغرنا أفواهنا (مع الخبرة عرفنا أن هذه الجملة متداولة في أوساط الصيّع، يتحججون بها كلما اشتبكوا في خناقة مع صيّع العربان!) وبدأ التحقيق مع أحدهم: "سين: اسمك ايه؟ جيم: فلان الفلاني... سين: ما أسباب الخناقة؟ جيم: سمعناهم يشتمون الريس ويشتمون مصر وتاريخها فدافعنا عن بلدنا وريّسنا وتاريخنا"، سمعنا إجابته من هنا، فصرخنا صرخة رجل واحد في التو واللحظة، وبحلقنا بحلقة رجل واحد، ولطمنا لطم رجل واحد، ورحنا نقسم بالله للضابط أننا لا نعرف تاريخ مصر كي نشتمه، وليس بيننا وبينه عداوة، لا هو ولا ريس مصر الله يحفظه، وشرحنا للضابط القصة، فتساءل: "طب فين هيّه العيلة اللي دافعتوا عنها يا (معتصم منك ليه)؟"، فأجبته بحكمتي المعهودة: "من أين لنا أن نعرف؟ انشروا إعلاناً في الصحف عنها"، فشخرَ لي شخرة مباركة، مصحوبة بجملة "بتهزّر يا روح أمك"، وتعرفت قبضة يده على معدتي، فتلخبطت لائحتي الداخلية، واختنقتُ، وزغللت عيناي، وانقطع صوتي العذب، فلم أتمكن من شكره على مجهوده، كان لساني يخرج ويعود خالي الوفاض، كأنه لسان ثعبان... وبعد اتصالات وخذ وهات أُخلي سبيلنا بتدخل من الشرطة العسكرية التي تفهم قياديوها عذرنا، وصدّقوا حجتنا.الحجة ذاتها يستخدمها أنصار حكومتنا، فالتجمعات يراد بها تشويه تاريخ الكويت، وتنفيذ أجندة السعودية لوأد الديمقراطية، ومعارضة رئيس الحكومة تعني معارضة الحكم... ومؤسسات الدولة تشخر لنا، وتتعرف قبضتها على معدتنا، فنختنق، وتزغلل أعيننا، لكن صوتنا العذب لا ينقطع: وعينك على جارتنا، يا عيوني، والا عينك علينا... هالله الله.