ضاق بالحياة... فتبعثر شعراً
يوافق هذا اليوم الثامن من يناير ذكرى وفاة الشاعر علي الصافي، الذي رحل عن عالمنا قبل أحد عشر عاما، ولعلني أجدها الآن فرصة مواتية لإعادة قراءة هذه الكلمات التي كتبت في ذلك الحين، وأجدها طازجة تشبه موت الشاعر الذي لم يفارق مخيلتنا حتى هذه اللحظة: "الى اين نسير والحياة أضيق مما نحتمل؟
عبثا نواجه الموت ونحاول ان نلتحم بخيط ضيئل لا يتسع لأضيق أحلامنا بعد ان لفظتنا الأرصفة وسخرت منا المدائن ما الذي يمكن ان نتشبث به وكل الأشياء الجميلة تتسرب من بين أصابعنا تماما مثل حلم ظل يانعاً وفتياً حتى اللحظة الاخيرة. حلم ظل يراوغ مصيره ويحتمي بكبريائه وشموخه الأعلى من كل مؤسسة رسمية، يمكن ان تمنح صكوك المغفرة او جوازات سفر لا فرق. *** يشرد كثيرا بذهنه وخيالاته يفكر يتأمل يصوغ اشياء الحياة كما يريد ثم يبعثرها ويعود يجمعها من جديد هكذا هو علي الصافي هذا المبدع الشفاف كان يحمل في داخله سيلا من الحب والشعر لن تمر عليه لحظة دون تأمل او تساؤل كان ينزع نحو المعرفة ويفلسف اشياء الوجود لم يكتب - علي الصافي - يوما من اجل شهرة او اعلام وانما شعره جزء منه خلق معه وتربى في داخله حتى كبر وشب عن الطوق، فكان ديوانه الاول خديجة لا تحرك ساكنا وكانت اوراقه المبعثرة في كل مكان وكانت قصائده الموزعة ما بين الأصدقاء ومكتبه في الجريدة وحجرات منزله ومقصورة سيارته المهشمة. ضاق علي الصافي بالحياة او ضافت به فتبعثر - شعرا - في كل مكان ليلمه الجميع ويحتفوا به ما اصعب ان نحتفي بأوجاعنا لكنها مشيئة الاقدار وصدمة العيد المريرة. *** حين تلتقي بعلي الصافي امامك خياران لا ثالث لهما، اما ان تحبه واما ان تحبه وحين تقرأ لعلي الصافي تعجب كيف يتصيد اشياء نعايشها كل يوم ونغفل عنها وبقلم المبدع المراقب بصوغها شعرا لتعود الينا بوجه جديد. *** في الركن القصي من مقهى الوحدة كان النادل يعبر الطاولات ويقفز خفيفا كما الريشة، يتفاخر الاصدقاء واحدا تلو الاخر وعلي الصافي ضيفنا في هذا اليوم لم يعتد كثيرا الحضور لهذا المكن ففرحنا به واحتضناه، يشطح الحديث كثيرا ويروغ عن خطوط الحياة الرسمية ولكن تبقى الحالة الثقافية شغلنا الشاغل ومدار الرحى، فمن قصيدة النثر في الكويت الى آخر صرعة او موضة احدثها رولان بارت في عالم الكتابة النقدية ومن جيل الرواد الى ابناء المدارس المبدعين هكذا حديثنا حالة فسيفساء والاضواء المرتصة في شارع السالمية بصيص من الامل يربط ما بين يورو الوحدة الاوروبية ودنانير اوطاننا الممزقة. يقفز كريم الهزاع من آخر الرصيف ويلقي بسؤال عن ابن عربي وشطحات الصوفية. وعباس منصور كعادته مشغول بفلسفة الوجود وصلاح دبشة يفك عقد الحديث ويتحدث عن نظريات جديدة والجميع ينظر ويشارك فاستحوذت العولمة على اهتمامنا ولوح بها علي الصافي فوضعناها على طاولة المقهى وشرّحناها بمبضع جراح محترف ومضينا. ونادل المقهى يروح ويجيء. توادعنا، نسينا اصابعنا على الرصيف، وكل حزن يحتضن حزنه ويمضي بعيدا... بعيدا... بعيدا. - مع السلامة - خلك على اتصال - رقمي عندك - لا تنس موعدنا الخميس - حاضر