بين التراث والمعاصرة
![آدم يوسف](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1463597677535940800/1463597704000/1280x960.jpg)
بالعودة إلى مهرجان الجنادرية في نسخته الـ 27، نجد تجاذبا خفيا بين متطلّبات المرحلة الراهنة «الصناعية والاقتصادية» تحديدا، وحدود التمسك بالتراث، وإلا ماذا يعني استضافة كوريا الجنوبية، وهي إحدى رموز التصنيع الرأسمالي المعاصر، في مهرجان، تنطلق فعالياته بسباق الهجن، وتعرّج على القرية التراثية، ومن ثم الرقصة الشعبية بعروضها المختلفة، ماذا يجمع بين كل هذا الزخم الشعبي، ومصانع التحديث الإلكتروني في مدينة سيول غير الرغبة الصادقة في دعم النقيضين، وهي رسالة أو إشارة مبطنة لندرك اختلاف العالم، وتغير مداركه وأحواله.وعلى المستوى المحلي والخليجي تحديدا يأتي ذلك الصراع الخفي بين أنصار الشعر الشعبي، وأولئك الذين يتمسكون بالقصيدة الفصيحة ليمنحنا هامشا تأمليا بين ركني التراث الشعبي، والكتابة باللغة «العليا» إن صح التعبير بكل ما تعنيه هذه الأخيرة من تقاليد علمية، ومواظبة على القراءة ومقاعد الدرس، فيما نجد القصيدة الشعبية مبنية بالدرجة الأولى على الذاكرة الشفاهية، حتى وإن ظهرت بعض دواوين مكتوبة بلغة شعبية، فهذه الإصدارات لا تصنع اللذة التي نجدها في السماع المباشر، كما ان الذاكرة الشعبية ليس بالضرورة أن تمر من بين أروقة الجامعات لتنال مشروعيتها، على النقيض تماما من الأدب الفصيح بأركانه المختلفة، الذي يتكئ في مشروعيته على الدراسة الجامعية أو الحضور الأكاديمي، دون إغفال للموهبة، وهي أصل الكتابة الإبداعية.تلك المفارقة الطريفة بين التراث وجمالياته، والحداثة ومتطلباتها هي العامل المشترك الذي يطغى على المشهد الثقافي السعودي برمّته، وليس في مهرجان الجنادرية فحسب، لننظر مثلا إلى مهرجان «سوق عكاظ»، وهو الآخر يحمل بين طياته رحلة سياحية نحو عصر ماض، يعد جزءا أساسا من مكونات الجزيرة العربية، وبين هذا وذاك نجد صراعات الأدباء السعوديين أنفسهم من أنصار الحداثة والمعادين لها، كتلك القضية التي ظهرت مؤخرا في مؤتمر الأدباء السعوديين، ما قيل إنه اختلاط سافر بين الرجال والنساء في بهو الفندق، قد لا تكون تلك قضية بالنسبة لأناس يعيشون خارج المملكة، إلا أنها تعد أحد أركان الصراع بين من يسعون نحو «المعاصرة»، وأولئك الذين يتشككون في نوايا المدنية الغربية وأنصارها من الكتاب والأدباء.