الحب أعمى فهو لا يعرف بمن يصطدم فجأة، يسير الحب في الطرقات لا يرى شيئا، وبلا هدى فإذ به يرتطم بشخص لا يعرفه، ولم يره من قبل، ولم يخطط مسبقا للاصطدام به، يحدث ذلك فقط لأن الحب أعمى.
لذا من الأخطاء الشائعة باعتقادي أن نقول: وقع فلان في الحب، فالأصح أن نقول وقع الحب في فلان! قلوبنا بمثابة حفر في طريق الحب الذي نحن على شبه يقين بأنه أعمى، فمن أراد أن يتجنّب «حادثة» الحب فما عليه سوى أن يحكم إغلاق تلك الحفرة (قلبه) جيدا حتى لا يقع الحب فيها، وليشقى بالسلامة من تلك الحادثة أو فلينعم! البعض يترك قلبه مفتوحا عامدا متعمدا لعله يقتنص الحب، ولسوء حظه (أو ربما حسن حظه) لا يقع الحب في تلك الحفرة لسبب بسيط، هو أنها لم تكن في طريقه! الحب أعمى ربما، إلا ان ذلك لا ينقص من قدره شيئا، المطر كذلك أعمى، لا يعلم شيئا عن الأرض التي سيصطدم بها، إن كانت تستحق احتضانه أو لا تستحق، بل ان النور بذاته أعمى، لا يرى العيون التي تراه، يحطّ على العين الضريرة تماما كما يحط على العين البصيرة، وبنفس القدر من الفرح! المعنى أن كون الحب أعمى فهذا وصف لا يعيبه، ففيه من الصفات الكثيرة التي تجعله جميلا ورائعا رغم عماه. الأهم من ذلك... أن الحب قد يكون أعمى، ولكنه لا يُصيب بالعمى ولست واثقاً بأن عماه معدٍ، وأن من يحاولون إلصاق إخفاقاتهم العاطفية بحجّة أن الحب أعمى، ما هم إلا ظالمون مفترون. بعد كل قصة حب فاشلة نجد مشجبا جاهزا نعلّق عليه رداء فشلها اسمه: «الحب أعمى»! كل دمعة ساخنة ليلة غدر، نجد منديلا خرِقا لها اسمه: «الحب أعمى»! كل محبوب ناقص، لا يرتقي لسمو الحب نجد سلّما مخصصا لخطواته اسمه: «الحب أعمى»! لماذا يدفع الحب ثمن سوء اختياراتنا؟! لماذا يقع هذا الأعمى المسكين في دائرة اللوم بعد أن يقع في القلب الخطأ؟! نحن المبصرون وهو الأعمى لماذا يتحمّل وِزْر أخطائنا أو خطايانا؟! إذا أحببنا شخصا لا يبادلنا الحب، فهذا ذنبنا لا ذنب الحب، لا يخطئ حدس الحب، نحن فقط الذين نضلله، نحن الذين نوهمه بصواب خطئنا ونشككه بيقينه، نحن الذين نقوده اقتيادا للحبيب الخطأ. الحب يوجد في القلوب قبل وجود المحبوب، وليس العكس، فنستعجل إطلاقه بأعذار واهية وحجج واهنة مثل: الحب من أول نظرة، والحب من أول همسة، والحب من أول تسريحة... وهلمّ جر!! نوهم الحب داخلنا بأن هذا هو الحبيب المنتظر، ونحرّضه على استقباله والاحتفاء به، وحين نكتشف فداحة خطئنا، ننصب للحب المشانق! الحب عندما يقع في قلب ما، يجعله شفافا، صافيا، مرهفا، وهذه الصفات كفيلة بأن تجعله يقرأ الظلام، ويرى ما خلف الظاهر، ويكشف المستتر، ويستشعر المخبوء، ويُسقط الأحجبة. نعم الحب لا يبصر ولكن... هو الذي يجعل البصائر ترى... إذا أرادت.
توابل
الحب أعمى!
22-12-2011