جاء استخدام حق النقض "الفيتو" من قبل روسيا والصين في مجلس الأمن الدولي بمثابة صفعة للعرب، الذين ذهبوا إلى نيويورك وهم يتوقعون إمكانية استدراج هاتين الدولتين "الصديقتين" اللتين لهما مصالح كثيرة وهامة في هذه المنطقة إلى موقف متوازن بإجراء تعديلات على مشروعهم بشأن المسألة السورية التي غدت تزداد تعقيداً وخطورة يوماً بعد يوم، لكن ثبت أن هذه التوقعات كانت مجرد أوهام ما لبثت أن تبخرت عندما جاءت لحظة الحقيقة.

Ad

لقد كان واضحاً أن اصطفاف موسكو إلى جانب نظام الرئيس بشار الأسد بالسلاح والخبراء والدبلوماسية ثابت، ولا يمكن تغييره إلا بإغراءات مجزية وتنازلات أميركية في ما يتعلق بجدار الصواريخ، ولهذا فقد فشلت كل محاولات "رشوة" روسيا بالمنح المالية وبالصفقات التجارية التي عرضتها بعض الدول العربية، وكان أن استخدمت هذه الدولة و"جرت" معها الصين "الفيتو" في آخر اجتماع لمجلس الأمن، أي السبت الماضي، بطريقة فجة حيث ظهر المندوبان الروسي والصيني وهما يرفعان إشارتي النصر تحت قبة هذه الهيئة الدولية وكأنهما "شبيحان" يطاردان أطفال حمص بالرشاشات الأتوماتيكية.

والآن وقد وجهت موسكو هذه الصفعة الموجعة للعرب الذين انحازوا إلى سورية وشعبها ضد الذين اختاروا الحلول الأمنية والعسكرية واستمروا في عملية الذبح على مدى أكثر من أحد عشر شهراً، فإنه لا بد من موقف يجعل روسيا، التي تبدو أنها لاتزال في عهد فلاديمير بوتين تستلهم الطريقة الستالينية داخلياً وخارجياً، تعيد النظر بحساباتها ويجعلها تدرك أن استمرارها بهذه المواقف المخزية وغير المفهومة ستكون نتائجه مكلفة جداً اقتصاديا وبالنسبة لعلاقاتها مع العديد من الدول العربية.

يجب أن تدفع روسيا ثمن مواقفها هذه وبسرعة حتى إن اقتضى الأمر اللجوء إلى تعليق العلاقات الدبلوماسية معها، ومقاطعة بضائعها، وفي مقدمتها الأسلحة بقرارات عربية إن لم تكن بالإجماع فبالأغلبية، أما أن تبقى الأمور "سائبة" على هذا النحو فإن هذا سيشجع هذه الدولة وسيشجع غيرها على التدخل السافر في الشؤون العربية أكثر وأكثر، وقد يحول سورية إلى قاعدة كبيرة للأساطيل الروسية وللقاذفات الاستراتيجية البعيدة المدى، ومن المعروف أن ميناء طرطوس على البحر الأبيض المتوسط قد أصبح قاعدة بحرية لدولة لاتزال تفكر بعقلية صراع المعسكرات وتسعى إلى إلغاء صيغة القطب الدولي الأوحد المستمرة منذ انهيار الاتحاد السوفياتي في بدايات تسعينيات القرن الماضي.

لقد بذل العرب كلهم جهوداً صادقة خلال العقدين الأخيرين للتقرب من روسيا والانفتاح عليها، لكن وقد اتخذت هذا الموقف المناكف تجاه الأزمة السورية الذي سيدفع نظام الرئيس بشار الأسد إلى المزيد من التشدد والمزيد من عمليات البطش البدائي الأهوج ضد شعب بدأ احتجاجاته بأسلوب سلمي حضاري، فإنها يجب أن تدفع الثمن غالياً وأن تفهم وتدرك أن استخدام "الفيتو" في مجلس الأمن لن يكون رخيصاً فالمثل يقول: "كما تدين تدان" والحقيقة أنه لا ينفع في الصراعات الدولية قول المسيح عليه السلام: "من ضربك على خدك الأيسر فأدر له الأيمن" ولهذا فإن السؤال المتداول على صعيد الشعب العربي هو: وماذا بعد؟!