بلغ السيل الزبى !
كلمات حضرة صاحب السمو، مثلما ترجمت حالة القلق والألم التي تهيمن على الكويت، شخصت الكثير من مفاصل الخلل في الشأن السياسي، ووزعت المسؤوليات التي يجب أن يتحملها أصحاب الشأن كل من موقعه وطبيعة وظيفته، والأمانة الملقاة على عاتقه.ولعل الجملة التي يجب أن نتوقف عندها في خطاب سموه هي عبارة «بلغ السيل الزبى»، ولعلها تعكس مدلولاً في غاية الأهمية والخطورة؛ بمعنى لا يمكن أن تنزلق الأمور إلى أكثر وأبعد مما وصلنا إليه، وبالفعل فإن حالة الفوضى السياسية وخنادق المواجهة التي أخذت بعداً أفقياً ممتداً بلا حدود من جهة، وبعداً عمودياً من شأنه تعميق الخلافات وربما الاصطفافات والمواجهات من جهة أخرى سوف تقودنا إلى عالم المجهول؛ دون أن تتحقق أي أهداف واضحة تصب في مصلحة الكويت وشعبها، وفي ظل الحساسية المفرطة للظروف المحيطة بها محلياً وإقليمياً.
وخطاب الأمير الأخير كان يستشعره الجميع، بل يعيشه المجتمع الكويتي برمته على مدى فترة ليست بالقصيرة، ومن هذا المنطلق فقد تحول إلى إعلان عام وعنوان رئيس لوضع الديرة من أعلى مستوى، إذ سطره رئيس الدولة ورئيس السلطات الدستورية.ومهما كان هذا الخطاب يحمل من مضامين دقيقة وتحذيرات واضحة ونصائح مباشرة فإنه أضفى على الوضع القائم صمام أمان هو قطب الرحى للجميع، وعمود للاستقرار، ومدعاة للأمل، عندما أكد سموه حماية الدستور بشخصه الكريم.نعم هناك بعض الممارسات والسلوكيات السياسية في مجلس الأمة قد خرجت عن إطار الذوق العام، وتدنت لغة الخطاب، وتحولت بعض الأدوات الدستورية إلى عبء سياسي ثقيل على الناس قبل الحكومة، وبقصد أو من دون قصد وبسبب العناد ومجرد العناد والتخندق السياسي واستغفال العواطف الإنسانية وتجييرها سياسياً وسط الانقسامات الطائفية والطبقية والمناطقية بدأت أدوات المحاسبة والمساءلة تفقد هيبتها وتأثيرها.وفي المقابل تم استغلال مثل هذه الثغرة لتتشكل اصطفافات جديدة وفق خارطة للمصالح الضيقة وصفقات حكومية؛ لتعيث في الأرض فساداً، ولتبدد ثروات البلد وأراضيه، واعتبارها غنائم توزع تبعاً لدرجات الولاء والمقابل لمستويات الثمن السياسي في كل موقف وقضية. وتبدلت حتى صور الولاء للنظام أو الحكومة لتتحول إلى أشخاص أو أجنحة، الأمر الذي أقحم حتى بعض أفراد الأسرة في أتون اللعبة السياسية، الأمر الذي قد يتسبب في فقدان الدور المحوري والمتوازن لهذه الأسرة المنوط بها حفظ النظام والاستقرار، ويتم اختراقها في عمليات البيع والشراء السياسي.ومن المؤسف أن تكون هذه الحالة من الفوضى في ظل عصر ما يعرف بربيع الثورات، ورياح التغيير في العالم العربي، الذي يجمع القاصي والداني على أن المنطقة لن تبقى على هذه الحال خلال السنوات القليلة القادمة!إن الرهان على الخروج من عنق الزجاجة لا يكون بلوم طرف دون آخر، أو أن تُحمّل المسؤولية لجهة دون أخرى، فالكل، وخاصة المجلس والحكومة، مشترك بشكل مباشر في إيصال البلد إلى هذا المستنقع السياسي الآمن، والعناد لا يؤدي إلا إلى أن السيل الذي حذر منه صاحب السمو الأمير سوف يجرف الجميع، فهل من معتبر؟!كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراءيمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة