منذ بداية الهجوم على حمص وتحويلها الى ركام من الحجر ممزوج بأشلاء الرجال والشيوخ والنساء والأطفال والنظام السوري يحارب على جبهتين: أن يفعل كل ما يريد وألا يرى أحد ما يفعل. مشكلة النظام السوري أنه يعيش عقلية الأب ويسير خلف طريقته في التفكير للتخلص من بؤر الثورة ضد سياسته باجتثاثها كليا ومسح كل أثر يدل على جريمة هذا الاجتثاث. ما تركه الأب العسكري للشعب السوري ابن مثقف يرتدي سترة عسكرية ولم يستطع أن يتخلص من ذهنية العسكر أو أن ينجح في إخفائها تحت لباسه المدني. ولا ننسى ذهنية حزبية يستمدها من حزبه المحيط به والذي يرى أن نهاية الابن الذي ألبسوه ثوب الأب هو نهايتهم الحتمية.
ما اختلف بين عصر الأب والابن هو فشل الثاني في اخفاء جريمة حمص التي يرتكبها اليوم مقارنة بجريمة حماة التي ارتكبها الأب. فالآلة الاعلامية والتكنولوجية الحديثة تقاتل وتتعرض للقتل متى ما سنحت الفرصة لاغتيالها. وما حدث الأسبوع الماضي بعد اغتيال المصور الفرنسي ريمي أوشليك والمراسلة الحربية ماري كولفن في أحد المنازل بقذائف متعمدة من القوات الحكومية هو صورة من صور اغتيال أي عين شاهدة على ما يحدث هناك. حاول أصدقاء المصور الصحافي اقناعه بعدم السفر الى حمص وهي منطقة خطرة ووجود مصور ينقل للعالم ما يجري هناك يعادل وجود مقاتل ضد النظام السوري. فالعين الناقلة للصورة لن تكون بأي حال من الأحوال لصالح نظام بشار الأسد (يبدو أن طبيب العيون تعلم كيف يعالج العيون التي يكره بالقذائف).تسلل المصور عبر قافلة مساعدات ودخل الى حمص عن طريق لبنان. لم يكن يفكر بالفوز بجائزة فهو قبل ساعتين من سفره نال جائزة مهمة لن يكون بإمكانه استلامها كما هو مقرر لها في ابريل القادم. أوشليك كان متواجدا منذ هايتي 2004 في البقع المتوترة وعاش مصورا للربيع العربي في تونس وليبيا ومصر حتى سقوطه في سورية. صورة أوشليك كانت متزامنة لصوت ماري كولفن وهي تتحدث بمرارة عن طفل يقف الطبيب عاجزا أمام نزيف معدته وهو يقول: ليس بإمكاني من فعل شيء. فالغرفة التي حولت الى عيادة لا تحتوي ما يسعف الطفل الذي يموت ببطء. الصحفية التي فقدت عينها في سيرلانكا وفقدت الأخرى وحياتها بقذيفة طبيب العيون.النظام السوري الذي يخشى أن يرى العالم وحشيته ويفتقد للشجاعة باغتيال صحافي أو مصور أعزل يحاول أن يعيد التاريخ الى الوراء ويتمنى لو أن الأمور تسير كما كانت في عهد الأب. يتمنى لو بإمكانه أن يمسح حمص عن الخارطة وبابا عمرو من الوجود. ويردد ذات الأكاذيب التي رددها القذافي من قبل عن القاعدة والارهابيين ولكنه لا هو ولا أبواقه من سياسيين ومثقفين وفنانين بإمكانهم تبرير مقتل الأطفال وقصف المساكن وهدمها على أهلها وتحويل حمص الى مدينة أشباح تحت أي ذريعة. ولن ننتظر منه أن يبرر لنا ما يفعله ولكننا ننتظر من الصامتين سواء من داخل سورية أو من خارجها كلمة حق بوجه هذا التدمير غير المبرر للإنسان والعمران. ننتظر أن يقولوا لنا أنصاره كم هي عدد الأرواح المطلوبة لينتصر النظام على شعبه.
توابل - مزاج
اغتيال الصورة لا المصور
28-02-2012