سعادة رئيس مجلس الأمة أحمد عبدالعزيز السعدون، أرفع إليك بداية أسمى آيات التبريكات والتهنئة بعودتكم إلى سدة الرئاسة، بعد غياب ناهز اثني عشر عاماً، شهدت فيها الكويت أحداثاً جساماً، نتاجها يجعلنا اليوم نضع أيدينا على قلوبنا خوفاً من ضياع البلد ودخوله في نفق مظلم، يقودنا إلى تناحر لا يعرف إلا الله مداه، وعودتك يا بوعبدالعزيز –لو سمحت لي بتجاوز الألقاب- تأتي والديرة تتقاذفها عواصف الطائفية والقبلية والفئوية، وهي في حاجة عاجلة إلى حكمة الرجال المخلصين وقناعة المناضلين الأحرار، الذين تمثل أنت أحدهم، فلقد شهدت شخصياً –ضمن الوفد المرافق- تكريم العديد من الدول لك كمناضل ديمقراطي، وأذكر تماماً كيف فتحت الدولة الكندية في عام 1994 القصر الرئاسي لاستقبالك في تصرف بروتوكولي استثنائي لاعتبارهم أنك أحد رموز النضال الديمقراطي في العالم العربي.

Ad

سعادة الرئيس... وأنت أكثر العالمين بأنه لا قيمة لمنصب ونضال وتاريخ عندما تضيع الأوطان، فالكويت اليوم في ورطة كبيرة ومفترق طرق، وأنت في موقع القيادة حرٌّ بلا قيود تكبلك، فلا أعتقد أن بوعبدالعزيز ذا الثمانية والسبعين عاماً –أطال الله عمرك وأمدك بالعافية- يفكر في التجديد لمنصب الرئاسة في عام 2016، كما أن موقعك الحالي غير مهدد، فلا يمكن أن تهدده الأغلبية النيابية بالخروج للشارع مرة أخرى بدونك، لكون السعدون بتاريخه و"كاريزمته" هو من أعطى تجمعات الساحات الغطاء الوطني الشامل من تجمعات الأندلس والعقيلة وحتى الصفاة والإرادة وقصر العدل، ولولاه لكانت تلك التجمعات ذات صبغة مناطقية أو طائفية أو قبلية معزولة دون زخم ووقع سياسي مؤثر، ولذلك فإن الرئيس السعدون اليوم هو أكثر رؤساء مجلس الأمة حرية وانعتاقاً من تسديد أية فواتير مقابل كرسي الرئاسة لأي جهة كانت، سوى الكويت الوطن والكيان، وهو استحقاق على بوعبدالعزيز بعد أن نسج تحالفات لم يكن راضياً عن بعضها – كما يقول بعض المقربين من السعدون- لمواجهة سطوة التحالف الجبار بين رجال المال والسلطة الذي قام في البلاد منذ عام 1999 وسيطر على السلطة التشريعية.

سعادة الرئيس الحُر... لأنني أراك حراً من أعباء تسديد فواتير الكرسي ومن تكتيكات التجديد للمنصب، يحق عليك أن تكلل المسيرة التي ستقرر أنت متى نهايتها بأفعال فارقة لمصلحة الأرض التي ناضلت من أجلها، فالمنصب مكان يستقر فيه ويرحل عنه الكثيرون، أما حالة المناضل والأرض والقضية فهي تاريخ لا يمكن استلابه أو استعارته، فما قيمة المناضل إذا ضاع الوطن وفرط في القضية؟ وبقاء الكويت الأرض والكيان قضية لم نخسرها  طوال ثلاثة قرون مضت، منذ الغزوات الأولى التي تعرضت لها الكويت وحتى غزوة المقبور صدام حسين، لكننا قد نخسرها في غزو داخلي ناتج عن صراع الطوائف والفئات والمناطق، وأيضا فإن قيمة المناصب للمناضلين والزعماء التاريخيين تأتي من نجاح المناضل تجاه قضيته، ولهذا فإن ونستون تشرشل وديغول اسمان تذكرهما أفعالهما ولا تذكر بهما مناصبهما التي احتلها العشرات من قبلهما وبعدهما، وكذلك الخالد المغفور له الشيخ عبدالله السالم، لذا فإن مسؤوليتك التاريخية يا بوعبدالعزيز أن تعيد ما خرب ودمر من خلال تحالفات ومواجهات السنوات العشر الماضية التي أشعلت أحيانا من أجل قضية وبعضها الآخر من أجل المنصب، كما أن الأغلبية التي شكلت في مجلس 2012 هي نتاج تسويقك لها ودفعك معها لحل البرلمان، ولذلك فإن ترشيد تلك الأغلبية ودفعها للعقلانية وعدم ضرب أساسات الدولة المدنية ستكون هي مسؤوليتك التاريخية، التي لا يمكن أن يتجاوزها أي مؤرخ محترم.

وهناك يا سعادة الرئيس استحقاق آخر أخلاقي تجاه أبناء منطقتك... وهو مصالحة أغلبية ناخبي دائرتك الانتخابية عبر أدائك المقبل، حتى لو كنت لن تعود لهم مرة أخرى انتخابياً، فالمركز السابع  في قائمة الفائزين في الدائرة الثالثة بعد أكثر من أربعين عاماً من العمل السياسي لا يليق بمناضل بحجم ومكانة السيد أحمد عبدالعزيز السعدون.

***

أتمنى على الرئيس أحمد السعدون أن يكون أول قراراته هو عودة رجال السلطة الرابعة الصحافيين إلى موقعهم التاريخي منذ افتتاح مبنى مجلس الأمة الحالي عام 1986، وقبله في المبنى القديم على جانب قاعة عبدالله السالم، وعودة كاميرات المحطات الفضائية طوال الجلسة العلنية، كما كان قائماً قبل عام 2006، فبرلمان دون رقابة شعبية وصحافية مستمرة هو سلطة بلا روح ولا معنى... كما نتطلع إلى إزالة كم الحواجز الحديدية الرهيب في ممرات مجلس الأمة التي تحوله إلى شبه معتقل.