سمو التواضع... وتواضع السمو

نشر في 24-11-2011
آخر تحديث 24-11-2011 | 00:01
No Image Caption
 يوسف عبدالله العنيزي بعد مقالة سابقة بعنوان «ما يعادل الكويت إلا جنة رب العالمين»، تلقيت عدداً من المكالمات والرسائل التي تعبر عن ملاحظات قيّمة كان لها صدى طيب في نفسي، وقد طلب مني بعضها الترشح للانتخابات البرلمانية القادمة على أن يكون البرنامج الانتخابي يرتكز على أساس واحد وهو الدفع والعمل من أجل تحويل الكويت إلى جنة في الأرض، كما جاء في عنوان المقالة. وفي اعتقادي أنه يستحيل على أي كان تحقيق ذلك في ظل هذه الأوضاع التي تشهدها الساحة من تدمير لكل شيء بما فيها القيم النبيلة لمجتمعنا، والتي أساسها الاحترام والتقدير وعدم الخوض في الذمم والأعراض.

ومن بين تلك الرسائل والمكالمات كان هناك مقالة ورسالة ومكالمة لها تميز خاص، فأما المقالة فقد جاءت من أخي العزيز مبارك الفرحان فى صحيفة «القبس» بتاريخ 11/11/2011 وقد تضمنت إضافات رائعة ودعاء جميلا، فجزاه الله عنا كل خير. وأما الرسالة فكانت من الأخ العزيز السفير فيصل المشعان «أبو زياد»، ومفادها أنه عندما تحررت بلادنا الغالية من دنس المحتل الغاشم جاء إلى والدته وكانوا من الصامدين في الوطن ليبشرها بالتحرير وعودة الديرة حرة كما كانت، فما كان جوابها- رحمها الله وأسكنها واسع جنته- إلا أن قالت وبدون اختيار أو انتقاء للكلمات «شيوخنا ردوا». ما أروعها من كلمات! وما أروعه من تعبير عندما ربطت رحمها الله بين الكويت والشيوخ في تعبير ينم عن تقدير واحترام لحكامنا! فعزهم عزتنا وكرامتهم من كرامتنا، على هذا تربينا وعلى هذا نشأنا، وكم يؤلمنا أن نرى ونسمع البعض وهو يحاول المساس ببعض كبار أبناء الأسرة بألفاظ ونعوت لم نألفها. ولعل هذه الكلمات تذكرني بحادثة يوم الغزو الغادر في الثاني من أغسطس عام 1990، وكنت أشغل وقتها منصب سفير لبلدي لدى جمهورية الجزائر الشقيقة، قمت بالاتصال بوزير الخارجية الجزائري السيد أحمد غزالي الذي كان وقتها موجودا في المطار للقيام بجولة في بعض دول أميركا الجنوبية، فأبلغته بما حدث فسألني: وماذا عن سمو الأمير وسمو ولي العهد؟ فأبلغته أنهما بخير ولله الحمد وقد غادرا إلى المملكة العربية السعودية الشقيقة، فرد «هذه أول نقطة انتصار للكويت وأول هزيمة لصدام».

ألغى الوزير سفره والتقينا في مكتبه، حيث تم الاتفاق على أن تصدر الجزائر بيانا تستنكر فيه العدوان، وأن يقوم الرئيس الجزائري آنذاك الشاذلي بن جديد بالاتصال بسمو الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح- طيب الله ثراه- وذلك بناء على طلبي، وقد تم الاتصال مساء، وقد أبلغني الوزير بالاتصال بعد إتمامه مباشرة.

ومع مرور الوقت تغيرت المواقف في الساحة الجزائرية التي شهدت بعد ذلك تسابقا نحو تأييد النظام العراقي على حساب القضية الكويتية، ولعل أقسى تلك المواقف كانت من الإسلاميين خصوصاً «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» بزعامة عباس مدني وعلي بلحاج- وللقائي مع علي الأخير قصة سنرويها في مقال قادم- ومنظمة «حماس» الجزائرية بزعامة المرحوم محفوظ نحناح، وحزب «جبهة التحرير» الحاكم و»حزب البعث» الجزائري والنقابات والإعلام بكل أطيافه.

وانضمت إلى هذا البحر الجارف من الحقد ضد الكويت وشعبها سفارات الأردن وفلسطين والسودان واليمن وكانت أشدها، ولم نجد في هذه الساحة العريضة من يساند ويؤيد قضية الكويت ما عدا أحد الأحزاب الصغيرة والأحزاب الأمازيغية، لذا فقد أنشأنا حزبا بدعم من السفارة كنا من خلاله نمارس بعض الأنشطة، فأقمنا أول معرض يتحدث عن الغزو وجرائمه في البلاد، كما قمنا بإلقاء المحاضرات وتوزيع النشرات. وقد تعرضنا للكثير من المضايقات والاعتداءات والسب والشتم ومحاولة إرهابنا، ولكن لم يفتّ ذلك من عضدنا، وكم شعرت بالفخر والاعتزاز عندما تشرفت بعد التحرير بمقابلة سمو الأمير الوالد الشيخ سعد العبدلله السالم الصباح- طيب الله ثراه- عندما استقبلني بعبارة مازالت عالقة في ذهني بقوله- رحمه الله- «مناضل سفيرنا... مناضل». في خضم هذه الأمواج المتلاطمة من الكراهية والحقد والحسد كنا نخوض معركة غير متكافئة، حيث كنا فقط ثلاثة دبلوماسيين هم الأخ حمد بوارحمه والسيد بدر العتيبي- رحمه الله- في مقابل جيش جرار في السفارة العراقية، وبناء على ذلك تقرر تدعيم كادر السفارة ببعض رجالات الكويت وشبابها، فكان لنا الشرف بانضمام كل من الأخ العزيز سامي الإبراهيم وكيل وزارة الكهرباء الأسبق والأخ العزيز فوزي المضف والأخ الفاضل زبن العتيبي واثنين من الطلبة الدارسين في الجزائر. وهنا نأتي إلى ذكر المكالمة الكريمة التي تلقيتها من زميل النضال والكفاح أخي الأستاذ سامي الإبراهيم «أبو لؤي»، حيث أفاد بأنه ذهب في إحدى المرات إلى ديوانية إحدى الأسر الكويتية لتقديم واجب العزاء، وكان أن وصل بعض المعزين قبل وصول أهل المتوفى من المقبرة فجلس الجميع ينتظر وصولهم. في هذه الأثناء وصل سمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح- حفظه الله ورعاه- فتم إبلاغه بعدم وصول أهل المتوفى بعد، فما كان من سموه حفظه الله وبكل عفوية وتواضع إلا أن جلس على عتبة «درج» مدخل الديوانية ينتظر وصولهم لتقديم واجب العزاء.

أي لوحة هذه؟ وبأي كلمات يمكن التعبير عنها؟ أهي سمو التواضع أم تواضع السمو؟ هل يمكن أن نرى مثلها في أي من دول العالم؟ لا أريد أن أصفها لكي لا أُفقدها جمالها وزخمها، ولا نقول إلا حفظ الله الكويت وقيادتها وشعبها من كل مكروه.

back to top