حين يتعارك الحلفاء... تواجه الولايات المتحدة العواقب!
أن احتمال وقوع اشتباك مسلّح بين إسرائيل وتركيا ليس الحادثة الوحيدة التي يجب أن تخشاها واشنطن، فطوال فترة الحرب الباردة، كان المسؤولون الأميركيون يشعرون بقلق دائم من اندلاع حرب بين دولتين في حلف الأطلسي، هما اليونان وتركيا، إذ بلغ احتمال وقوع هذا التهديد أخطر مستوياته في عام 1974.
تزداد حدة التوتر في العلاقات بين تركيا وإسرائيل مع مرور الأيام، وتكثر الآن التوقعات القائلة إن البلدين قد يواجهان عواقب وخيمة بسبب الوضع القائم، ولا شك أن تعهد أنقرة بتوفير حراسة بحرية لمرافقة أساطيل الإغاثة الإنسانية التي ستتجه نحو غزة سيؤجج هذا الصراع.في حال حصول هذا السيناريو، ستدخل الولايات المتحدة في معضلة مرعبة، وعلى الرغم من غياب أي موجبات قانونية تحتّم عليها حماية إسرائيل، لطالما كان هذا البلد الشريك المفضل لواشنطن في المنطقة، ولا ننسى أنه يمارس ابتزازاً عاطفياً قوياً على فئات واسعة من الشعب الأميركي، ومن الجانب الآخر، تركيا هي أحد أعضاء منظمة حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة ملزمة بمساعدتها في حال تعرضها للاعتداء بموجب معاهدة واضحة.في حال نشوب قتال بين القوات الإسرائيلية والتركية وتلت أنقرة المادة الخامسة من معاهدة حلف شمال الأطلسي التي تنصّ على أنّ أي اعتداء يطول إحدى الدول الأعضاء يعني الاعتداء على دول الحلف كلها، فستواجه واشنطن كابوساً حقيقياً، وعندئذٍ سيقرر القادة الأميركيون ما إذا كانت تركيا ضحية الاعتداءات أم أنها هي التي استفزت الطرف الآخر وتسببت في الاعتداء، وتشير معظم التوقعات إلى أن واشنطن ستعتبر تركيا الجهة المخطئة في حال أُجبرت على الاختيار بين إسرائيل وتركيا، ولا مجال للتفكير بأن الولايات المتحدة قد تعتبر إسرائيل الجهة المعتدية التي تستحق رداً عسكرياً أميركياً على سلوكها، ولا سيما إذا ما أخذنا بالاعتبار السخط الذي سيعمّ محلياً نتيجة قرار مماثل.لكن إذا انتهكت الولايات المتحدة التزامها بالمادة الخامسة من المعاهدة، فلا شك أن تركيا ستنسحب من حلف الأطلسي وستتجمد العلاقات بين واشنطن وأنقرة. كذلك، سيتساءل أعضاء الحلف الآخرين عن مدى مصداقية التزامهم الأمني بموجب المادة الخامسة. باختصار، ستكون هذه الأحداث الضربة القاضية بالنسبة إلى "الأطلسي". غير أن احتمال وقوع اشتباك مسلّح بين إسرائيل وتركيا ليس الحادثة الوحيدة التي يجب أن تخشاها واشنطن، فطوال فترة الحرب الباردة، كان المسؤولون الأميركيون يشعرون بقلق دائم من اندلاع حرب بين دولتين في حلف الأطلسي، هما اليونان وتركيا (تربطهما خصومة قديمة). بلغ احتمال وقوع هذا التهديد أخطر مستوياته في عام 1974، عندما أقدمت تركيا على غزو قبرص وطرد المواطنين القبارصة اليونانيين من الجزء الشمالي من الجزيرة، وعلى الرغم من تراجع حدة التوتر بين أثينا وأنقرة في السنوات الأخيرة، لم يختفِ احتمال حصول اشتباك بين البلدين بعد.في الجانب الآخر من العالم، لطالما واجهت اليابان وكوريا الجنوبية مشاكل وخلافات متكررة، وتحديداً في ما يخص النزاع على بعض الجزر الصغيرة (تُعرف في كوريا باسم دوكدو وفي اليابان باسم تاكيشيما) في بحر الصين الشرقي، فوقعت حوادث عدة تمثلت بنشر سلاح البحرية التابع للبلدين وكان يمكن أن يخرج الوضع عن السيطرة في مناسبات كثيرة.في هذه الحالة أيضاً، سيؤدي أي نوع من المواجهة المسلّحة بين اليابان وكوريا الجنوبية إلى توريط الولايات المتحدة. ترتبط واشنطن مع البلدين بموجب معاهدات أمنية ثنائية، فعن أي بلد ستدافع الولايات المتحدة إذا تواجهت الدولتان يوماً؟ (وفق إحدى الدعابات الشائعة، بما أن معظم الوجود العسكري الأميركي في كوريا الجنوبية يتألف من وحدات الجيش، بينما يتمثل الوجود الأميركي في اليابان بسلاح البحرية المتمركز في أوكيناوا، فيجب أن يحارب الجيش إلى جانب قوات كوريا الجنوبية بينما يُفترض أن يقدّم سلاح البحرية الدعم لليابانيين).لكن لن يكون الوقت مناسباً لإطلاق الدعابات في حال نشوب صراع فعلي بين دولتين حليفتين للولايات المتحدة، وانطلاقاً من هذه المخاطر، تبرز واحدة من المشاكل الكثيرة التي ترافق توقيع المعاهدات الدفاعية أو تقديم الضمانات الأمنية إلى الحلفاء والعملاء. تطرح هذه الالتزامات مشاكل قليلة طالما يبقى الوضع مستقراً، لكن إذا تعرّض أحد هؤلاء الشركاء الأمنيين للاعتداء، من جانب خصمٍ للولايات المتحدة أو حليف لها، فستدخل الولايات المتحدة فوراً في صراع مرير يريد صانعو السياسة تجنبه حتماً، ومع تزايد عدد الجهات التي تشاركها الولايات المتحدة على الصعيد الأمني (كما فعلت عند توسيع حلف الأطلسي في منتصف التسعينات)، يتنامى خطر الوقوع في هذه المعضلة الصعبة.*ناشيونال إنترست