يا سيد المقاومة... ماذا بقي من المقاومة؟!
نعترف بأننا انسقنا وراءكم كالقطعان، فآزرناكم بكل صفاء، وسوّدناكم على المقاومة لأنها حق لمن بذل الدماء، وتضخم رصيدكم لدينا فما عدنا نقوى على السداد، وفتحنا أذرعنا لكل شقيق، فكان الجنوب في القلب والشغاف، وعضضنا على جرح "التشيع"- رغم خطورته- درءاً للفتنة وإكراماً للشهداء، فماذا كانت النتيجة؟! جحوداً ورقصاً على الجراح.المظلومية وحقوق المستضعفين؛ مفردات يتردد صداها في كل إطلالات السيد حسن نصرالله على جمهوره، إضافة إلى دور قوى الاستكبار العالمي- حسب تعبيره- في دعم الظلم والعدوان الإسرائيلي على أرضنا وشعبنا، وأن مشروع المقاومة والممانعة سيكون السد المنيع أمام المخططات الأميركية والإسرائيلية المعدة للمنطقة، فانساق أكثرنا وراء هذا المشروع، خصوصاً بعد حرب 2006 مع إسرائيل رغم الشروخ الكبيرة فيه من نزعة طائفية، وتحركات تبشيرية ونقصان بالسيادة لمصلحة إيران، وتغلغل عام بالشؤون السورية خصوصاً في صناعة القرار.
لكن السؤال الذي كان يُطرح ما جدوى الممانعة؟ وما قيمة الصمود والامتناع عن التوقيع مادام سدنة هذا المشروع هم من اللصوص والفاسدين، بل من عتاة الظلم والفساد والاستبداد؟ وأي تحليق له وأجنحته من المهزومين في أوطانهم الذين تحولوا مع الاستبداد إلى أقنان، فحرموا من الحياة الكريمة وحتى من صفة الإنسان. فكيف تستقيم المعادلة والمقاومة ظاهرة شريفة نبيلة، أخلاقية النهج والمنهاج، لا يأتيها الباطل لا من فوقها ولا من تحتها، وترفض مصاهرة الأشرار وحزامها الواقي بالضرورة من الحرية والأحرار، ورغم كل هذا كانت المفاضلة بين السيئ والأسوأ، أي بين مقاومة عرجاء ومشروع للعدوان، فكان الخيار للمقاومة ولو كانت على عكاز؟ تحملنا الأعباء من فقر وذل وبطالة في سبيل "الممانعة"، وكان لابد من التصويب لتصحيح المسار ولتصبح الممانعة حقيقية، فانتفض الشعب السوري ثأراً لحريته وكرامته المهدورة منذ خمسين عاماً، معاهداً الله والتاريخ بأنه لن يعود إلى سربه إلا جثة هامدة أو يعيش كالأحرار، لكن صرخته للأسف لم توقظ الضمير والإنسان في نفس الممانعين، بل أججت النزعة السادية والعدوانية في نفوسهم، فانطلقوا بمشروعهم قتلاً وحرقاً واغتصاباً وذبحاً لهذا الشعب وبمباركة "سيد المقاومة" بل من "أسياد قم"، حتى أيقظت فينا الغفلة التي قاومناها كثيراً، لنجد أنفسنا أمام وهم وسراب، فالمقاومة ما هي إلا مشروع فتنوي تبشيري بامتياز صُمم في "قم"، واتخذ من المقاومة ذريعة ومن دماء الشهداء صنبوراً لإنبات الغراس الطائفية والتوسعية بالمنطقة.الإصلاح- كما قلنا في مقال سابق- هو حالة ثقافية وفكرية وأخلاقية بالدرجة الأولى، وليست قوانين ودساتير مفصلة على المقاس وغير قابلة للتنفيذ، فالذي أعدم الأطفال للهو في الشارع وعلى الجدران، واقتلع حنجرة منادٍ بالحرية، هل سيحتمل معارضاً يشاركه في بعض السلطة ويحاسبه على الأخطاء؟ فكل الحرية التي حملتها القوانين الأخيرة، بل مواد الدستور لا تكفي لرابطة مشجعين أو لصحفي قيد التدريب، فأي إصلاح وأي ممانعة وأي مقاومة، ونسأل "السيد": هل بقي فيها شيء وقد استهلكت مواقفك الأخيرة تجاه الشعب السوري ما تبقى من رصيدك حتى أقفل الحساب، أم تنتظرون إبادة الشعب السوري لتقيموا مأدبة على أشلائه احتفالاً بـ"النصر الإلهي"؟!