أحداث مصر... ما السبب؟!
لا أخطر إطلاقاً من هذا الذي جرى في مصر على المنطقة كلها، فأَنْ يتدنى الخلاف في وجهات النظر إلى هذا المستوى ويتحول إلى مواجهة طائفية، فإن هذا يعني أن هناك ألغاماً موقوتة كثيرة، وأن القلوب متورمة بصديد أحقاد تاريخية، وأن ثورة الربيع العربي المصرية قد كشفت عيوباً كثيرة من بينها هذا العيب الذي لا مثله عيب، وإن لم يجرِ تدارك الأمور بسرعة فإن أرض الكنانة ستصبح بانتظار ما سيشمل شرره هذه المنطقة كلها.يجب عدم تصديق أن هذا الذي جرى وراءه أيدٍ خارجية، فالمشكلة أن هناك جرحاً بقي ملتهباً ونازفاً منذ أن صدر ذلك الخط "الهمايوني" العثماني بالنسبة للأقباط المصريين ودورهم وما يحق لهم دينياً ودنيوياً، وهكذا فإن الأيدي الخارجية التي يجري الحديث عنها يأتي دورها في العادة بعد أن تقع الواقعة، فالبيت غير المحصن يغري الطامعين ويستدرج كل هوام الأرض وكل صاحب "أجندة" خارجية.
هناك من يقول إن من دفع الأحداث إلى أن وصلت المأساة إلى ما وصلت إليه، إما أنه يريد حرق المرحلة الانتقالية وتأجيل انتقال السلطة إلى المدنيين، وهذا غمز من جانب المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وإما أنه يريد أن يستبق الانتخابات التشريعية المقررة بتحشيد ديني وطائفي، وهذا غمز من جانب الإخوان المسلمين، ومن جانب القوى السلفية من جهة، ومن جانب الأقباط من جهة أخرى. لكن ومع أن كل هذا وارد وغير مستبعد، فإن جذور هذه المأساة، التي يجب أن تعالج بسرعة ويجب وضع حدٍّ لها ليس بتبادل تبويس اللحى وإنما بالحلول الناجحة الصحيحة قبل أن تتسع وتمتد إليها الأيدي من الخارج، تكمن في أن "الأقباط" الذين هم ملح أرض مصر يشكون من أنهم لا يعاملون على قدم المساواة مع إخوتهم المسلمين، وأن ما يحق لغيرهم لا يحق لهم، وحقيقة ان هذا الذي يشكو منه هؤلاء، الذين هم مصريون ويشكلون نحو عشرة في المئة من شعب مصر، فيه الكثير من الصحة، هذا إن لم يكن كله صحيحاً.لا يجوز أن تبقى هذه الثغرة الخطيرة مفتوحة في مصر والمجتمع المصري، والمفترض أن يدرك المسلمون أنه، إن كان من الجائز أن يعامل "الأقباط" في مراحل سابقة كأهل ذمة وأقل فإن هذا يجب ألا يبقى مستمراً، لأن بقاءه سيجعل مصر معرضة دائماً وأبداً للتدخلات الخارجية، ولأن هذا البقاء يتعارض مع قيم هذا العصر، حيث إن الجميع مواطنون مصريون لا فرق بين قبطي ومسلم لا في الحقوق ولا في الواجبات.إنه غير جائز، وهذا يجب ألا يقبل به المسلمون والأزهر الشريف، أن يبقى "الأقباط" يعاملون في وطنهم الذي لا وطن لهم غيره على أساس الخط "الهمايوني" وأحكام الإمبراطورية العثمانية التي مضى على زوالها ثمانية وثمانون عاماً، فالأوضاع طرأت عليها تغيرات جذرية خلال هذه السنوات الطويلة، وأصبحت المواطنة التي من المفترض أنها للجميع هي الأساس، وأن "الدين لله والوطن للجميع"، وكل هذا خصوصاً أن هذه الفئة من المصريين يعترف لها بالمواطنة الصادقة وبالمشاركة في الدفاع عن مصر على مدى كل حقب التاريخ، ولعل الشهادة على هذه الحقيقة هي الأنبا شنودة ومواقفه الوطنية والقومية الصادقة والشجاعة.إن ما هو معروف ومؤكد أن "الأقباط" غير ممثلين لا في مجلس الشعب ولا في مجلس الشورى المصريين بحجمهم الحقيقي من نسبة الشعب المصري، ولهذا ومادامت الأحزاب الوطنية العلمانية لم تصبح بعد بالحجم الذي يمثل الجميع والذي يفرض نفسه على واقع الحياة السياسية في البلاد، فإنه من الأفضل أن تتمثل هذه المجموعة بعدد يتلاءم مع حجمها في الشعب المصري على الـ"كوتا"، أما أن تترك الأمور لعدالة الخط "الهمايوني" العثماني، فإن هذا سيوقع البلاد في إشكالات كثيرة وخطيرة، وإن هذا سيبقى قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي لحظة.