ما قل ودل: لا للإضراب... نعم لاحترامي لوظيفتي... نعم للكادر
هذا ما طالبت به منى أشكناني رئيسة الاختصاصيين بالأشعة الإكلينيكية بالمستشفى الأميري، الاختصاصيين والفنيين العاملين بأقسام الأشعة بمستشفيات وزارة الصحة، عندما عزموا على القيام بإضراب للمطالبة بالكادر في أكتوبر الماضي، فقد اجتمعت بهم وطالبتهم بالاستمرار في العمل مع وضع هذه الشعارات الثلاثة على صدورهم، أثناء تأدية عملهم، لأن مهنة الطب والمهن المعاونة لها، هي مهن لا تحتمل التوقف للحظة واحدة عن أدائها وخاطبتهم قائلة، لو أن المريض الذي يتطلب إجراء أشعة تشخيصية له، تتوقف عليها إجراء جراحة تنقذ حياته، لو أن هذا المريض أم أو أب أو زوجة أو أحد أولاد أو أخوات أحد منكم، وفقد حياته بسبب هذا الإضراب، هل يستأهل الإضراب هذا الثمن الباهظ، الذي قد يدفعه أي واحد منكم، واستطاعت منى أشكناني بهذا الكلمات البسيطة أن تقنع الجميع، بمن فيهم من دعوا إلى الإضراب، إلى العدول عنه، وحملوا الشعارات الثلاثة على صدورهم. إنه فن الإدارة الذي تتمتع به السيدة منى أشكناني وثقافة العمل التي تعتقد فيها، والرسالة الإنسانية التي تؤمن بها، فمهنة الطب والمهن المكملة لها هي من أسمى المهن وأجلّها. الإضراب وثقافة العمل
ومن هنا، فإنه لا يجوز النظر إلى العمل، باعتباره حقاً للمواطن، دون النظرة الشاملة إليه باعتباره كذلك واجباً عليه، ذلك لأن هذه النظرة القاصرة للعمل كمن يقرأ الآية الكريمة «ولا تقربوا الصلاة» من دون أن يقرأها إلى نهايتها، إن غرس قيم وثقافة العمل في المجتمع هو أول واجبات الأسرة والمدرسة والمسجد والإعلام. ولعل هذه النظرة الشاملة للعمل باعتباره حقاً للمواطن وواجباً عليه هي التي ترسم ثقافة العمل في مجتمع بعينه، بالمقارنة بالمجتمعات الأخرى. إن ثقافة العمل هي التي جعلت من اليابان صرحاً صناعياً شامخا في المجتمع الدولي، وأحد النمور الصناعية السبعة فيه. ويجسد دستور الكويت، ذلك النهر العظيم الذي تروي منه الكويت ظمأها يوماً بعد يوم، روافد هذه الثقافة، فيما نص عليه من أن الوظائف العامة خدمة وطنية تناط بالقائمين بها (مادة 26)، ومن وظيفة اجتماعية للعمل، وأن العمل هو أحد المقومات الأساسية لكيان الدولة الاجتماعي (مادة 16)، وأن هدفه الخير العام (مادة41)، هذه الوظيفة الاجتماعية للعمل هي التي ترسم القيمة الاجتماعية له. ومن روافد هذه الثقافة ما نص عليه الدستور من قيمة إنسانية للعمل في قوله إن العمل واجب على كل مواطن تقتضيه الكرامة (مادة 42).الإضراب والقانون الدولي إن العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 16 ديسمبر سنة 1966 والذي وافقت الكويت على الانضمام إليه، وصدر بهذه الموافقة القانون رقم (11) لسنة 1966 مع إصدار إعلان تفسيري في شأن مدى الالتزام بأحكام المادة (2 فقرة 2) و9 والتحفظ على المادة (3) والمادة 8/1- د من هذا العهد، وهذه المادة الأخيرة هي التي تنص على حق الإضراب، وقد قيدت ذلك بأمرين: أولهما: ما نصت عليه الفقرة (1) من البند (د) من وجوب ممارسة حق الإضراب وفقاً لقانون البلد المعني. ثانيهما: ما نصت عليه الفقرة (2) من أن هذه المادة لا تحول دون إخضاع... موظفي الإدارات الحكومية لقيود قانونية على ممارستهم لهذه الحقوق. ومن بين هذه القيود القانونية التي يخضع لها ممارسة موظفي الإدارات الحكومية حق الإضراب المبادئ الأساسية المترتبة على قيام المرفق العام وأولها:مبدأ انتظام واطراد سير المرافق العامةويقوم هذا المبدأ على أنه إذا جاز للمشروعات الخاصة التي لا يتصل عملها بالمرافق العامة أن تمتنع عن مزاولة نشاطها أو تتوقف فيه، فإنه لا يجوز ذلك بالنسبة إلى المشروعات العامة التي تتصل بحياة المواطنين اليومية، لأن الخدمات التي تؤديها هذه المرافق، هي خدمات جوهرية وأساسية بالنسبة إلى المواطنين. وإذا كان الجهل بالقانون ليس بعذر، فإن العلم بالقانون هو واجب مضاعف الأثقال بالنسبة إلى الموظفين القائمين بالعمل في مرافق الدولة المختلفة، الذين تفرض عليهم قوانين التوظف تخصيص وقت العمل الرسمي لأداء واجبات وظائفهم، بل يجوز تكليفهم بالإضافة إلى ذلك بالعمل في غير الأوقات الرسمية إذا اقتضت ذلك مصلحة العمل أو طبيعة الوظيفة.